بقلم: محمد حسن الموسوي
في السادس عشر من ايار من كل عام يحتفل العراقيون بيوم المقابر الجماعية, ذكرى آليمة يتذاكر فيها ابناء الشعب العراقي جرائم دكتاتورية نظام صدام_البعث البائد الذي خلف وراءه مئات المقابر الجماعية التي احتوت على رفات مئات الالوف من الابرياء الذين لا ذنب لهم سوى انهم رفضوا حكم الطاغية وحزبه. عرب وكورد وتركمان , شيعة وسنة , اختلطت دمائهم في تلك المقابر, ودفن بعضهم احياء جنبا الى جنب تصطف جماجمهم الكريمة. جمجمة (كاكه حمه) الى جنب (جمجمة عبد الحسين), تساوت الجماجم في مشهد تراجيدي يصعب ان تجد له مثيل في مكان آخر من العالم الا بالعراق, بلد المقابر الجماعية.
الا ان البعض يسعى لتمييع هذه الذكرى الاليمة حينما يطلب منا ومن اجل (المصالحة الوطنية) ان ننسى جرائم صدام والبعثيين, وان (نطوي) صفحة الماضي, وكأن الماضي صفحة كتاب نطويها متى ما نشاء. انه ماض مرصع بآهاتنا وزفراتنا وعذاباتنا وآلامنا ومصائبنا, فكيف لنا نسيانه بهذه السهولة, كيف لأم ان تنسى وحيدها الذي دفن حيا ؟ ام كيف لاب ان يطوي صفحة فلذة كبده الذي وجده في المقابر الجماعية؟ ام كيف ليتيم ان ينسى ابيه الذي ابتلعته المقابر الجماعية؟ كيف وكيف والف كيف؟ اجزم ان هذا البعض لم يذق مرارة ما عانيناه وما قاسيناه من الم فراق الاحبة الذين دفنوا احياءا تحت التراب لا لشيء الا لأنهم أبوا ان يعيشوا اذلاء.
كل الامم والشعوب التي تحترم ذاتها تقف عند مناسباتها الوطنية لاسيما الحزينة منها لتحي ذكراها ولتستسقي منها العبر , الا نحن في العراق فهناك من يطالبنا بأن ننسى الماضي حتى لا يفشل (مشروع المصالحة الوطنية), ولا ادري لماذا يفترض هذا البعض ان نجاح مشروع ما مرهون بنسيان مصائبنا وأحزاننا!.
في كل عام يحيي الاوربيون ذكرى الحرب العالمية الثانية, ليستلوا منها دروس التضحية في سبيل الاوطان, وليتذكروا بألم مآسي الديكتاتورية النازية والفاشية, وليتعضوا مما حل بقارتهم من ويلات وخراب بسبب الديكتاتورية. يقفون في كل اوربا وقفة اجلال واكبار لأعزائهم الذين فقدوهم في تلك الحرب الضروس, يتذاكرون فيما بينهم ويلات الحرب والديكتاتورية, ومحذرين بنفس الوقت انفسهم من العودة اليها.
وفي اليابان لا تمر ذكرى هيروشيما وناكازاكي من دون ان يحيي اليابانيون ذكراها المريعة باحترام واجلال, يتذكرون بحزن وآسى تلك الجريمة البشعة التي اقترفها الامريكيون بحق المدنيين المسالمين في هاتين المدينتين, يقف اليابنون ومعم العالم بأسرة ليتعظ من مخلفات اسلحة الدمار الشامل, وليخلقوا بذلك حركة عالمية مناهضة لاستخدام اسلحة الدمار الشامل التي تأتي على الاخضر واليابس.
في جنوب افريقيا يحتفل الافارقة في كل عام بذكرى نهاية نظام الفصل العنصري( الابرتايت) مستخلصين الدروس والعبر من مغبة وجود نظام سياسي يميز بين مواطنيه على اساس العرق , يفضل بعضهم على بعض بسبب لون البشرة. هذه ثلاثة امثلة من ثلاث قارات, تختلف فيما بينها بعاداتها وتقالديها وحضارتها وقيمها لكنها تشترك بقضية واحدة هي احياء المناسبات الاليمة للإتعاظ بها والاستفادة من تجربتها , لا لشي الا لانها قضايا وتجارب انسانية تستحق الوقوف عندها والاحتفاء بها.
اما هنا في العراق بلد المقابر الجماعية فلازلنا نستمع الى اصوات نشاز تدعونا لطي صفحة الماضي ونسيان آلام الديكتاتورية رغم اننا من امة تتغزل بماضيها (العريق) ومجدها (التليد), ولكن حينما يصل الامر الى تذكر ويلاتنا ومصائبنا التي حدثت بسبب ديكتاتورية صدام وحزبه الكافر ينبري من يدافع عنه تحت يافطة (المصالحة الوطنية ) ونسيان الماضي.
جاء في الحديث الشريف( من رضي بعمل قوم حشر معهم) واخالني لا اجانب الصواب حينما ازعم ان كل دعوة مشبوهة كهذه لطي صفحة الماضي ونسيان المقابر الجماعية تدخل في خانة تأييد جرائم الديكتاتورية البائدة. ان الامم العظيمة هي تلك الامم التي لاتنسى شهدائها وضحاياها. واليوم نحن امام اختبار عسير بين ان نحيا عظماء وان نكون امة عظيمة من خلال الاحتفاء بشهدائنا وضحايانا وبين ان نكون امة تافهة حينما نرضى بنسيان ضحايا المقابر الجماعية, وصدق ربنا القائل ( فاعتبروا يا اولي الابصار).
اختم كلامي بدعوة الجهات المختصة لتشييد نصب يجسد مأساة المقابر الجماعية ويخلد ذكراها, وبدلا من ان نضع اكليلا من الزهور على نصب الجندي المجهول ادعو لان نسن سنة حسنة جديدة بوضع اكليل الزهور على نصب شهدائنا في المقابر الجماعية التي تجسدت فيها الوحدة الوطنية يوم دفن الكوردي الى جنب العربي تحت ثرى العراق, ولنقف دقيقة صمت حدادا على ارواح أعزائنا في المقابر الجماعية في اليوم الوطني للمقابر الجماعية من كل عام والذين لولا تضحياتهم لما استطعنا اسقاط الديكتاتورية, فما ماتت أمة تحيي وتمجد ذكرى شهادائها وابطالها.
20/5/517
https://telegram.me/buratha