السيد حسين السيد محمد هادي الصدر
من أهم المؤشرات على الرقي الحضاري للدولة، تساوي مواطنيها أمام القانون .انَّ القانون لابُدَّ أن يعلو ولا يُعلى عليه ،أيا كان المخترِق فسيّان ان يكون صهر الملك أو يكون رجلاً من عامة الناس ...لقد سيق صهر الملك الاسباني (خوان كارلوس) الى المحكمه، كما يساق اي مواطن أسباني آخر، دون أية محاولة للالتفاف على القانون .ان هذه النزعة الجادة في تطبيق القانون على المواطنين جميعاً دون استثناء ،تضفي على الدولة هيبة لا تنكر ،وتملأ وجدان المواطنين بالاحساس بالعدل ،وتشدهم بالتالي الى تعميق أواصر الصلة ببلدهم، ، والتفاني في حُبّه ، والعمل من أجل استقراره وازدهاره .ان (اينياكي اوردا نغارين ) -صهر الملك- مُتَهمٌ بقضية فساد مالي ، تورط فيها مع شريك له يُدعى (دييغو توريس) وقد تمت احالته الى المحكمة دون ان يسعى الملك أو اي مسؤول اسباني آخر لأبعاده عن المساءلة والحساب .وقد كثر الجدل مؤخراً في أسبانيا حول عَرْضٍ تقدّم به المحامي (ماريو باسكوال) نيابة عن صهر الملك ،يقضي بان يبادر صهر الملك (اوردا نغارين) الى إرجاع مبلغ مقداره مليون وسبعمائة ألف يورو الى المحكمة - وهو مبلغ يعادل نصف المبلغ الاجمالي الذي كان عُرضة للتلاعب به من قبل الصهر وشريكه مقابل، ألا يسجن مع شريكه ...!!!انّ مجرد طرح هذا العرض من قبل محامي صهر الملك أثار ضجيجاً عالياً في المجتمع ، فما كان من وزير الداخليه الأسباني (البرتو رويث غاياردون ) الاّ ان علّق قائلاً :(ان المحكمة التي تنظر القضية ستواصل عملها حتى النهاية .ونحن نعيش في دولة قانون وفي مثل هذه الدولة فان مبدأ المساواة ينص على ان جميع المواطنين الأسبان متساوون أمام القانون )بمثل هذه الكلمات المغموسة بعطر العقلانيه والموضوعيه ،جاء الموقف الرسمي ،ليضع النقاط على الحروف ،ويؤكد على ان القانون لابُدَّ ان يأخذ مجراه دون تلكؤ أو ابطاء والسؤال الآن :ماهي درجة التمسك بتطبيق القانون على جميع المواطنين العراقيين ؟ولا حاجة الى الافاضة في الحديث لان الجواب واضح معلوم ..!!انَّ القانون يطبق على الفقراء والضعفاء ، وتُبتكر الوسائل الكثيرة للألتفاف عليه ،حين يراد تطبيقه على أصحاب الشأن العالي ، حتى يصبح نسياً منسياً ...!!!انها لثغرة كبيرة في جدار العدل والموضوعيه ،تقود عملياً الى انطفاء وهج القانون ،وهيبة الدولة ، في أوساط الجماهير ،مما يزيدهم جرأة على انتهاك حرماته ،والتعدي على مضامينه دون وازع أو رادع ومن هنا يمكن ان نسمي هذا القسم من السلوك الشائن ،القائم على أساس التمييز بين المواطنين فيما يجب ان يكونوا متساوين فيه ، بالانتهاكات الخطيرة ،للقيم والضوابط الوطنيه والاخلاقيه ،فضلاً عن القيم والضوابط الدستوريه والقانونيه والانسانيه .ثم ان هناك مسألة مهمة في هذا السياق لايصح إغفالها .ان العبرة ليست بالنص القانوني ،وانما العبره بالتطبيق السليم غير المنحاز لهذا النص القانوني ان قانون أصول المحاكمات الجزائية ينص على ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته ، وأنَّ من حق المتهم ان لايُدلي بافادته الاّ بحضور محاميه ، وانه لا يجوز انتزاع الافادة منه بالاكراه والتعذيب ..، ولكن كيف كان التطبيق ؟لقد أُجبر كاتبُ السطور على توقيع افادته وهو معصوب العينين ، وببصمة الإبهام طبعاً ،في مديرية الأمن العامة ببغداد عام 1979،ولم يكن من الممكن لايَّ محامٍ ان يحضر ، لان حفلات التعذيب مشهدٌ خاص بالاجهزه القمعيه ،يتفنن فيه جلادوها باذاقة الأحرار والحرائر أبشع ألوان النكال والتعذيب الجسدي والنفسي ....صحيح ان العراقيين متساوون أمام القانون نظرياً ، ولكن هل لهذا التساوي من مصداقيه في المضمار العملي ؟ان ابقاء النصوص القانونيه معاني بلا روح ،أو التلاعب في تطبيقها، والانحياز لهذا أو ذاك تبعاً لدرجة الصلة والقرابة مع هذا المسؤول أو ذاك ،لايعني الاّ التخلف ، وتكريس المظالم الاجتماعيه ، وكل ذلك يُعرّض المجتمع لاهتزازات خطيرة تنذر بأوخم العواقب .واذا كان صهر الملك الاسباني لا ينجو من المساءلة الحقيقيه ، فكيف ينجو منها من لا يقاس به من قريب أو بعيد ؟!!ان التلاعب بأموال العراق تجاوز الحدود ، حتى بلغت آخر التقديرات :61 مليار دولار ، فمن الذي تمت مساءلته عن هذا النهب الفظيع والرقم الهائل ؟!!ولقد صدق الشاعر حينما قال :وأعزُّ ما يبقى ودادٌ دائمٌإنَّ المناصب لا تدومُ طويلاًان على أصحاب المناصب ان يكونوا أحرص الناس على مصالح العراق وأهله وثرواته ، وان يكونوا أشدّ من يُعنى بتطبيق القوانين بكل موضوعيه وعدالة ،بدلاً من ان يلوذ بهم المفسدون ، أو يتستر بهم القراصنة العابثون .واذا كان الوطن قد كرمّهم وأتاح لهم هذه المناصب الرفيعة ، فان عليهم التفاني في خدمته وخدمة مواطنيه، والحفاظ على مصالحه وثرواته ،دون أن تأخذهم بالعابثين والمفسدين والمتلاعبين اية هواده .ان عليهم ان يُعدّوا الجواب يوم ينادي المنادي :(( وقفوهم أنهم مسؤولون ))
https://telegram.me/buratha