المقالات

رجال البصرة

1434 12:14:00 2012-05-13

الشيخ عبد الحافظ البغدادي

هذه مذكرات مهمة لمدينة البصرة في حقبة ما بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 , وما تلقته البصرة من جحيم البعثيين وبطشهم وطغيانهم منها ألقاء حمم القنابل وجرف وتهديم بيوت الفقراء والمؤمنين وغلق الحسينيات ، ولا زالت صورة ترك الجثث البشرية ثلاثة أيام تملأ الشوارع الرئيسية والساحات في وسط البصرة القديمة والعشار والجمهورية والحيانية والطويسة وغيرها وأصبحت طعما للكلاب السائبة والقطط ، جاء دور الطاغية بعدها لتصفية المؤمنين وغلق دور العبادة والحسينيات تحديدا في البصرة القديمة إلا عددا من المتأقلمين مع حالة حزب البعث وتنفيذ رغباتهم إلى حد ممانعة رجال الدين الشيعة أي كلمة ينطقها الشباب يشم منها رائحة المعارضة للحزب خوفا من الحزب وما يرتبه على سماع الكلمة ، وخوفا على قائل الكلمة أن تصل كلمته إلى مديرية الأمن أو المنظمة الحزبية بواسطة الملائكة النقالة كما نسميهم فيذوب في أحواض التيزاب أو يلتحق مع إخوانه في المقابر الجماعية ، تلك الفترة تحولت المساجد والحسينيات إلى مصلى فقط يؤدي فيه المصلون صلاتهم ودعائهم اغلبهم كبار السن لا يثيرون حفيظة الرفاق والأمن بالبصرة ، يترددون وقت صلاة المغرب غالبا... وهذا لا يمنع أن يدس أزلام النظام عددا من مرتزقته وسط المصلين ، اذكر يوما تشاجر خضار مع مشتري بسبب ما في سوق البصرة، فقال المشتري للبائع { ولك خلينا ساكتين ، أنت أولادك كلهم يصلون بالجامع ..! كلهم ضد الحزب والثورة} وعلى هذا السياق بقية المتلونين رجالا ونساءً ، وصل الناس إلى مرحلة النفاق والدجل والكذب على الناس وعلى أنفسهم إلى أن لا يمكن أن يتكلم احد ببنت كلمة ضد صدام أو حزب البعث المقبور.... في تلك الفترة كانت عودتي من النجف إلى البصرة ، تركت النجف لان الحياة فيها لا تطاق من مطبلي صدام ودجاليه ومنافقيه في المنظمات الحزبية والأمنية والمخاتير الرفاق وأبناءهم والصخرة والتطوع في جيش القدس والتبرع للملوية وبناء قبة الإمام موسى بن جعفر {ع} وغيرها بالعشرات ، في البصرة تعرفت على السيد نور الدين عباس شبر ، إمام جامع آل شبر بالبصرة - السيمر، رجل متواضع بكل معنى الكلمة وعصامي بشموخ نخيل البصرة وصلب كملحها وطيبتها.. وجدت ضالتي في مسجد آل شبر أتعبد فيه لان كوادره لا يهتمون كثيرا للحزب وقراراته فيهم شيء من العصامية ، كان قارئ القران الحاج سالم في كل عطلة صيفية يفتح دورة قراءة وتعليم القران للأطفال والكبار ، ولا ينهيها لان مديرية الأمن له بالمرصاد ، بفضل من ينقل احد الطيبين جدا المكلفين بالمراقبة على المسجد نشاط هذا الرجل وتنتهي الدورة قبل أوانها بالغلق ، ولكنها تولد موقفا لدى المنتظمين فيها ، موقف ممتلئ يقينا إن حزب البعث يعمل ضد الله ورسوله{ص} وال بيت الرسول الكرام عليهم السلام.... بعد سنين تحول هذا المسجد إلى قلعة من قلاع استقطاب الشيعة في البصرة ، استقطب جميع المثقفين والشباب وغيرهم ، لم يكن السيد نور الدين طالبا حوزويا ، ولم يرتدي العمامة ولكنه فرض احترامه على الجميع ، له تواصل مع البسطاء أكثر من التجار وأصحاب القرار الحكومي ، وسع المسجد كثيرا وأعاد بناءه بعد أن ضم دارا إلى المسجد، رغم ذلك لم يسع المصلين، كان عدد كبير منهم يصعدون السطح ليؤدون الصلاة في سطح الطابق الثاني , وقد رأيت أياما عديد بعض الشباب يصلون على سطح البيتونة { سطح غرفة الدرج للطابق الثاني }واشهد بالله إن التجمع كان نوعا من التعبير ضد الدولة التي كان يسير فيها سيد نور رحمه الله ، ومن مواقفه التي لا تغيب عن مخيلتي ، أراد البعثيون استدراج الناس التابعين له في البصرة ، بعد أن فشلوا في إبعاد الناس عنه حينما قتلوا أخاه الشهيد السيد عصام الدين شبر رحمه الله في كربلاء ورميت جثته قرب خان النص على قارعة الطريق أمام المارة في طريق نجف كربلاء ، وقد وضعت عمامته الشريفة على صدره، بقي ممددا أكثر من نصف نهار ثم رفعته القوات الأمنية في كربلاء المقدسة ، وحين تسليمه لأهله أصر السيد نور الدين أن يعلموه سبب إعدامه ولماذا القوه في الشارع بهذا الشكل ، نحن نعلم إنهم كانوا يخافون من شخصية رجل الدين المثقف الملتزم ، رجل الدين الذي يترجم علمه إلى مواقف ضد الطغاة ويصب في خدمة الوطن والمواطن ولذا قتلوا سيد عصام رحمه الله ... هذه الحوادث تركت أخدودا في قلوب محبي الشهيد سيد عصام ،وتحول ذلك الحب إلى أخيه السيد نور الدين عباس شبر، وقد استثمر السيد ذلك التوجه تماما بفطرة البسطاء الهاشميين المؤمنين ... ومن المواقف التي لا أنساها ، كنت جالسا عنده ذلك اليوم ،جاءه عددا من رفاق البصرة القديمة في منظمة المهلب وعندهم مشروع ضم السيد نور الدين إلى موقفهم من صدام المقبور بالتبرع بمناسبة ميلاد صدام ، قالوا له: سيدنا نريد منك هدية نقدمها للسيد الرئيس صدام حسين ، فقال أنا ما املك شيء حتى أقدمه لكم ، قالوا صحيح ولكن عندك سيف يعود لوالدك السيد عباس شبر قدمه له عبد الإله ولي العهد في حكومة الملك فيصل الثاني ، فقال: { من قال لكم ذلك } ..؟ قالوا نعرف بهذا منذ زمن بعيد ... فسكت السيد برهة وتغير وجهه واحمرت عيناه ثم قال : تريدون سيف سيد عباس شبر انطيكم إياه تقدموه لابن صبيحة {أل......} ونطق الكلمة.... ثم انفعل جدا وقال: والله لو تقتلوني أفضل من هذا الكلام... قوموا اخرجوا من المسجد وما اسمح لكم بهذا الكلام مستقبلا... فقاموا تتعثر أقدامهم ببعضهم ، كنت اعتقد إنها النهاية التي ينتظرها سيد نور الدين... ولكنهم سكتوا لأنهم جبناء لو أوصلوا هذا الكلام للمسئولين سينالهم العقاب العام خاصة صدام ، كما إني اعتقد تماما إن لله تعالى يد في كثير من المواقف التي تشمل المؤمنين بالرحمة والشفقه وتنقذهم من يد البعثيين ....

الشيخ عبد الحافظ البغدادي

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
المهندس قصي الخفاجي
2012-05-16
جزاك الله خير... نعم لقدعشت ايام هذا الرجل المؤمن الروحاني البسيط في المؤمنين غير المتكلف معهم كنا نحاوره ونساله ونستمتع بالجلوس عنده ونهلنا منه ما يزودنا لهذا السفر .. الكبير امام المنافقين والمتزلفين. الى رحمة الله... بسم الله الرحمن الرحيم "ألم تر الى الارض ننقصها من اطرافها" صدق الله العلي العظيم
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك