يتسم المشهد العام في البلاد بقدر كبير من الارتباك والضبابية والغموض والتشضي، وهذا أمرٌ طبيعي حينما تغيب الرؤى الإستراتيجية الواضحة لحل ومعالجة المشاكل والأزمات على اختلاف مسمياتها وعناوينها، وحينما تغيب-أو تُغيّب- المصالح الوطنية العامة لحساب المصالح الفئوية الخاصة لدى قوى وكتل وكيانات رئيسية في الدّولة والحكومة ومجمل العملية السياسية في البلاد.
ولا نبالغ عندما نقول أنّ العراقيين يقفون اليوم جميعاً عند منعطف حساس وخطير، وعند محطة حاسمة، تتطلب تجنب الوقوع في أخطاء وقع فيها البعض في أوقات سابقة، وهنا لابُدَّ من الفرز بين المناهج الصحيحة والمناهج الخاطئة، وعلينا أنّ نضع معايير وطنية عامة نحتكم إليها لنحسم خلافاتنا واختلافاتنا لنلتقي عند نقطة معينة، ونجتمع على رؤية واحدة، ونحتكم إلى مبدأ التوافق وننأى عن خيار التصادم.
مقومات وعناصر التوافقات الوطنية كثيرة وكبيرة، وما يجمع بين الشركاء في الوطن الواحد أكثر مما يفرقهم، والتنوع الفسيفسائي للمجتمع العراقي، قومياً ودينياً ومذهبياً وطائفياً وعشائرياً، يُمثل نقطة قوة أكثر منه نقطة ضعف.
وإذا كانت قد حدثت مشاكل وأزمات بين بعض مكونات المجتمع العراقي الواحد في الماضي البعيد أو بالأمس القريب، فليس لأن هناك خللاً في منظومة العلاقات والروابط الاجتماعية والسياسية والثقافية بينها، وإنّما لأن قوى وأطرافاً خارجية دخلت على الخط وأرادت أنّ تفرض خياراتها وتمرر أجنداتها وتملي إراداتها، وربّما لا يغيب عن بال الكثيرين من أبناء الشعب العراقي مبدأ “فرق تسد” الذي عملت به قوى خارجية دّولية في دول مختلفة من بينها العراق، وكانت له آثاراً ونتائج سلبية مازال جزء منها ماثل لنا بمظاهر وأساليب وسياقات شتى.
وإذا كنا في هذه المرحلة الحرجة والحساسة أمام خيارين، الأول الجلوس مع بعضنا البعض لنحدد مساراتنا الصحيحة ونضع النقاط على الحروف، والثاني طرق أبواب الآخرين ليحلوا لنا مشاكلنا، ناهيك عن تشبث كل واحد منا بقناعاته ومواقفه، فالأولى بنا أنّ نلجأ إلى الخيار الأول مع ما فيه من صعوبات ومشاق، لأنها بالتأكيد لن تكون أكثر من تبعات واستحقاقات الخيار الثاني.
فحينما نقول بمبدأ التوافق الوطني، فأننا لا نتصوره محصوراً ومحدداً في أُطر ومساحات ضيقة، وإنّما على العكس من ذلك يتحرك في فضاء واسع ومساحات فسيحة، بحيث ينتهي إلى أفضل النتائج التي يتطلع إليها كلّ أبناء الشعب العراقي.
4/5/510
https://telegram.me/buratha