صالح المحنه
قبل ان تتفجر الثورة الأنترنيتية في العالم وقبل أن يتلوث الفضاء بسموم واحقاد المتخاصمين المذهبيين،الذين تتسابق عليهم ولهم الفضائيات التي تبحث عن الشهرة وكثرة المشاهدين ، قبل هذا وذاك كنّا في منأى عن مطالعة الكتب المحمّلة بالروايات التي تأجج الأحقاد والكراهية بين أهل الأرض والوطن الواحد،وعن مشاهدةِ وسماع الخطب والفتاوى إلا في وسط محدود ومجالات ضيقة الأفق ،وكانت توَرَّث هذه الروايات والآراء والفتاوى الملوثة والمشحونة بالبغضاء للأجيال عن طريق حفظها في بطون الكتب على رفوف المكتبات لمن يُريد الأطّلاع عليها، وأحياناً تنقل عن طريق الخطباء واللقاءات التلفزيونية في بعض المحطات المحدودة الأنتشار،فلم يكن خطرها كبير ومباشر على الأجيال والحمد لله،فكانت سمومها وسموم من زرعها وأودعها في قلب الأمة ، لاتؤثر إلا في محيطه الذي كُلف بتلويثه،لولا التغيير الأنترنيتي السريع والتطور التكنلوجي المذهل والخدمة الرائعة التي أبدع في إتقانها العالم الغربي، هذه الخدمة التي أ ُستخدمت أسوأ إ ستخدام وأستغلت أبشع إستغلال من قِبل المتخاصمين الأعداء ، أ ُستخدمت لبث الفرقة والقتل والتدمير وتخريب الأبداع الأنساني الخلاّق من خلال حملها الأفكار المتطرفة التي تقتات على روايات وأحاديث كاذبة في اغلبها ولاتستند للموضوعية والحقيقة القرآنية التي جاء بها محمد ص للعالم أجمع، فعلى مدارالساعة لايكاد يخلو الجو من خصومة هنا وتناحر هناك على فضائية ما .. بين شيخين أو أكثر ،الأول يكفّر الثاني والثاني يدافع وينكر، والأنكى من هذا أصبح هذا الجدل المذهبي وهذا الصراع بضاعة رائجة لكثير من الفضائيات الصفراء حتى بات ينافس البرامج العلمية والفنية ذات الفائدة والمتعة، وانتشرفي الفضاء كالنار في الهشيم ، فحيثما تولّي وجهك فثمة مناظرة هنا وخصومة هناك ،حتى يتحول المشهد الى إضحوكة وتتحول الأستوديو الى حلبة مصارعة لايرقى لجولاتها حتى برنامج فيصل القاسم الأتجاه المعاكس،ثم تنقل هذه المشاهد المضحكة المبكية وبسرعة البرق على صفحات الأنترنيت بجميع مسموعاتها ومرئياتها والمقروءة منها، ففي كل حين وفي كل مكان تداهمك هذه المخلوقات المتمذهبة فتفسد عليك متعة التفكير والمتابعة وتربك طريقتك في التعامل مع الآخرالذي بدى ينظر اليك بريبة من هول ما يسمع ويرى من مشايخ الفضائيات،حتى تراجعت الهوية الوطنية أمام الهوية المذهبية كتراجع الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، برامج صُرفت عليها المليارات لاتتحدث عن بناء الأنسان وتطوير عقله وتقويم خُلقَه،بل العكس تماما تعمل على تخريب فطرته وتعطيل عقليته وإلغاء شخصيته ليتحول الى وسيلة سهلة بيدهم ، كلُ فريق أمتطى الفضاءَ بأدوات بالية وحطام هش من روايات أكل الدهر عليها وشرب، يحاول من خلالها إقحام خصمه وسوقه الى نار جهنم تاركين خلفهم جنةً عرضها السماوات والأرض خارج منافستهم ،شغلهم الشاغل وهمهم هو من يدخل النار أولا،يتسابق العشرات بل المئات من شيوخ الوهابية والسلفية للأتصال بالفضائيات أو الظهور على شاشاتها لالشيء إلا للتنكيل والدعاء بالويل والثبور على أمة مسلمة لاذنب لها سوى إتباعها رجلا أحبه الله ورسوله وتبرئت من أعمال قوم أساؤوا الى الله ورسوله وسواء إن صح معتقدهم أو خطأ ، فلا يقتضِ الأمر ألأفتاء بقتلهم ولعنهم حيثما ثُقفوا،يتفنون في صياغة الكلام ويأولون ويفترون ويستعينون بكل الوسائل لأسقاط الخصم في محرقة التكفير والضلال،ولا يلتفتون الى قول الله تعالى الذي يأمرهم بالعدل والأحسان، و لمن يستطيع أن يصبر على هذه المناظرات التي ترعاها بعض القنوات الفضائية الممولة طائفيا ويستمع لما يقولون سوف لن يسمع كلام الله الذي امرهم بالتقوى وحسن المجادلة فأين هم من قوله تعالى( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين)هذا مع المشركين فكيف اذا كان بين المسلمين؟ولايسمعون قول الله تعالى.( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)( لَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) ،وأين تدينهم وإيمانهم من حديث رسول الله ص (لايؤمنْ أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه) مئات الأحاديث الشريفة والآيات القرآنية الكريمة كُلها تدعو الى حب الأنسان والتعامل مع الآخر بلطف ومروءة،و تحضُّ على العفو والصفح والمغفرة عمن ظلمه ، لالأمر الله يمتثلون ولا بأخلاق نبيه يهتدون، كل الآيات والأحاديث ضربوا بها عرض الجدار نزولا عند رغبة رموزهم الـتأريخية التي أصّلت لهم هذا العداء المستحكم ضد الآخرين وساروا على نهجهم وفتاواهم التي تحمل الأدانة سلفاً لمن خالفهم وتقطع السبل على كل جهد يسعى لتضييق الهوّة بين ابناء الدين الواحد ، في كل دول العالم وكل شعوب الأرض لايوجد نظامٌ رسميٌ واحد ليس له معارضون، فهل يحق للنظام الرسمي أن يُسقط صفة المواطنة والوطنية عن المعارضين والحكم عليهم بالأعدام؟ فلو افترضنا أن الأكثرية المسلمة تمثل الأسلام الرسمي والفرقة المخالفة لنهجهم تمثل المعارضة ،فهل يحق لهم إسقاط الصفة الأسلامية عن المعارضة والحكم عليهم بالتكفير الذي يؤدي بهم الى الأبادة الجماعية؟ أسئلةٌ كثيرةٌ تثقل كاهل شبابنا وتشل تفكيرهم عندما يتعرضون الى هذه المواقف المعادية ويطلعون على آراء وفتاوى ابناء الأمة الواحدة والوطن الواحد ، والتي تدعو جميعها الى الفرقة بينهم الى حد الموت،ولامهرب لهم من سماعها ومشاهدتها وقراءتها بفضل التطور العلمي الهائل الذي تفضلت به علينا الأمة التي عافاها الله مما أبتلينا به فتفرّغت لخدمة الأنسان فأصبح العالم كله في جيبك من خلال أجهزة الموبايل المتطورة ،والسؤال القديم الجديد الى متى تبقى هذه الأمة محطّمة الأرادة ومعطّلة النهوض تنوء تحت وطئةِ الروايات والأفكار الهدّامةِ؟ أكيد لانأمل أن يتنازل طرفٌ الى الطرفٍ آخر ، ولانأمل أن تدفن هذه الروايات والأفكار المتعفنة بعيداً عن الأمة كما تدفن الدول المتقدمة نفاياتها النووية بعيداً عن مواطنيها وأوطانها،فهذا محالٌ، ولكن نأمل أن يكفَّ بعضهم عن البعض الآخر وليحتفظوا برواياتهم رحمةً بالأجيال التي أثقلوا كاهلها بوزر غيرهم وبخلافاتهم التي لاتنتهي، نتمنى أن يتوقفوا ويوقفوا حرب الروايات ويغلقوا ابواب جهنم التي يتزاحمون عليها ليلا ونهارا،إن كانوا فعلا مسلمون يحبون الله ورسوله ...صالح المحنه
https://telegram.me/buratha