ظاهرة ليست بالجديدة بان يستوقفك احدهم مطالبا بمبلغ من المال وقد مد يديه ولسانه في ترديد عبارات متشابهة ومعروفة لنا جميعا وغالبا ما يكون متسخا وتكون ثيابه المتسخة سببا في بذل فئة من الناس كي لا يمسهم .
خلال فترة متقاربة قابلت ثلاثة منهم بشكل جديد من نوعه فهؤلاء الثلاثة تختلف صفاتهم عن الاخرين من حيث النظافة ومن حيث كونهم متحركين وليسوا ثوابت باناء معدني وعوق ظاهر ! والثلاثة قابلتهم وانا اسير في الشارع قاصدة مكان ما وفي ازمنة متختلفة ولكن متقاربة .
الاولى في سن الخمسينات وجدتها في احد الطرقات مفزوعة وكأنها تبحث عن احد وتستغيث وعندما شاهدتني سردت لي قصة محبوكة فانا لست من المريخ والتقيت بمتسولين من قبل ولكني صدقتها فالقد انهارت تماما وامام انهيارها فتحت حقيبتي وافرغت ما فيها فقط حتى لا يحصل لها شيء واخبرتني بان المبلغ لا يكفي وهنا شعرت بأنها غير صادقة فالمحتاج لا يمكن ان يكون صلفا خاصة ولقد اعطيتها مافي الحقيبة فاخبرتها ليس لي (كروة يا خالة ) وصرت انا المستجدية فقالت اذهبي انتو شباب سرت الى مقصدي متأملة في الحدث فما يكون الاولى ان اكسر قلب انسان يطلب مال الله الذي أأتمن جزءا منه لدي ام ان اعطيه ما اتعب في الحصول عليه من عمل مضني وان ارجع ماشية باعا طويلا ؟
وفي المرة الثانية قررت ان اخرج ماشية وحقيقة كان في نيتي الاقتصاد وتوفير مبلغ التكسي فاستوقفني شاب مرتب جدا وملتحي ويظهر عليه الادب وهو مطرق بنظره الى الارض وحسبته تائها في المنطقة ولكن ما ان رتب جمله المبعثرة ادركت انه يطلب مبلغا محددا يمثل اغلب اليومية التي احصل عليها من عملي واثناء ما كان يتكلم اردته فقط ان يسكت فانا من خجلت منه ومن شبابه كيف وصل الى هذا الحال ادرت بوجهي عنه لابحث في الحقيبة واعطيته وذهب وانا ارقبه وبين الاحساس بأني اقدمت على فعل الخير وبين اني (نصبة) من الطراز الاول فمهما يكن من ظرف كيف هان عليه ان يوقف أمراة ويستجدي منها .
والحالة الثالثة كنت متوجهة الى مكان سيرا على الاقدام فشاهدت من بعيد عائلة بين ان تكون باكستانية او هندية وما ان اقتربوا مني حتى سألوا ان كنت اتكلم الانكليزية وقد ظننت انهم ضيعوا مكان الفندق او ما شابه غير ان الرجل صدمني حين طلب النقود فعلى حد ادعائة انه سُرق !! اعطيته وما ان خطى خطوة حتى شعرت باني مغفلة وبالانكليزي !!!
الظاهرة سلبية وهذا امر حتمي ولكن كيف نتعامل معها اجد القران صريح وعمل اهل البيت واضح فهم لم يردوا احدا ولم يحققوا مع أحد بل كانوا يعطون ما عندهم .
حينما يسأل السائل اشعر ان الله يحبني حين قدر ان التقي المحتاج وفي لحظة الاعطاء اشعر اني سابكي من الفرح لفرحته بالعطاء وما ان يذهب حتى تساورني الشكوك في امره وكأن الشيطان ابى الا ان ينغص علي فرحتي وياريت ان الامر يقف عند نقطة احساسي باني مغفلة بل يذهب الى حيث انني ادمر المجتمع !! فلو زجرته لاضطر للعمل او انه ربما سيشتري مخدرات وغيرها بينما ربما الزجر يؤدي به الى السرقة والقتل وبعطائنا انا وانت ممكن ان ننجيه !!.
احيانا اشعر ان البحث عن التفاصيل والجزئيات تجعلنا كقوم موسى اثناء اختيارهم البقرة فلو اختاروا اول مرة لما صعبوا عليهم المسألة ويُروى ان رسول الله ص كان قد اعطى لمجموعة من الصحابة نفس المقدار من المال في المسجد وامرهم ان يتصدقوا بها ومرت ايام اجتمع فيها ذات الصحابة وبضمنهم علي عليه السلام وفي ساعة الظهيرة وعند صخرة حارة امرهم الرسول ص ان يصعد كل واحد ويروي كيف صرف المال وصعد الصحابة واخذوا بسرد ما عملوا وكيف ان منهم قسم المال والبعض فكر قبل التصرف وغيرها وهو يرفع قدم وينزل اخرى من حر الحصى وما ان صعد علي عليه السلام حتى قال جملة واحدة اعطيتها حال خروجي من المسجد لاول سائل !!! ونزل سريعا . ان الامر يستحق التأمل !!.
وحقيقة في كل مرة التقي بهم اتذكر فعل امير المؤمنين والحمد لله اعمل به ولكن البون شاسع فانا اكيدة ان الامير حين يضع العطية بيد السائل ويخطو خطوة لايفكر بالامر اما انا فأظل افكر رغم ان الامر محسوم في خيارين الاول لن اقدر عليه وهو ردهم والثاني ان اعطي فاما ان اكون محسنة او ان يكونوا ظلموني بكذبهم علي فذنبي في رقبتهم ولكن اه من انفسنا الشحيحة.
المسألة الصعبة ان تكون من الذين ينهكهم العمل مقابل ان لايذلوا انفسهم ولايحتاجوا احد وفي نفس الوقت يلتقون بمن هان عليهم ذل انفسهم رغم كونهم متكاملين وبصحة واحيانا تتيقن من انهم يكذبون ..... هون النفس واستسهال المال الجاهز وعدم الرغبة في العمل سيكون موضوعنا للمقالة القادمة نأمل التواصل .
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا
اختكم بغداد
https://telegram.me/buratha