لا يزال تنظيم القاعدة يحكم قبضته على مدينة الموصل الواقعة إلى الشمال من العاصمة بغداد على مسافة تقطعها السيارة في أربع ساعات. ويشعر القادم إلى الموصل من بغداد بأن الزمن عاد به الى عام 2006 او 2007 اللذين شهدا موجة من أعمال العنف الطائفية أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من العراقيين. والعلامات المألوفة التي اختفت من بغداد منذ بعض الوقت ما زالت موجودة هنا. فالجدران الخرسانية العالية المضادة للانفجارات وأكوام التراب الموضوعة في وسط الطرق لإجبار سيارات المهاجمين المسرعة على الإبطاء والمباني التي تركت الانفجارات اثارها على جدرانها. وليس هذا هو العراق الذي يتباهى به حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي الان بعد خروج القوات الامريكية منه وتدفقت عليه مليارات الدولارات من مبيعات النفط. والقاعدة في الموصل أبعد ما تكون عن الهرب أو الاختباء بل تسيطر هي وحلفاؤها على الحياة الاقتصادية والسياسية بالمدينة. والموصل هي العاصمة غير الرسمية لإمارة العراق الإسلامية التي يديرها تنظيم القاعدة والتي يمتد نفوذها في منطقة العراق تعرف باسم شبه الجزيرة وهي بلدات على حاقة الصحراء الخاوية بين نهري دجلة والفرات الى الشمال من بغداد. ونجحت القاعدة منذ كانون الأول في تنفيذ سلسلة تفجيرات متزامنة في أنحاء العراق كل ثلاثة أو أربعة أسابيع. وفي كل مرة تفجر عشرات القنابل ويسقط عشرات القتلى ومئات الجرحى. ومثل ما كان الحال في بغداد قبل خمس سنوات أصبحت الموصل مجموعة من الأحياء والمناطق المحصنة. فهناك "مناطق خضراء" خاضعة للحماية ولا يسمح بدخولها الا لمن يحملون شارات أمنية خاصة. أما بقية المدينة فهي "المنطقة الحمراء". وتضم المناطق الخضراء المباني الحكومية ومنازل كبار المسؤولين وتحميها جدران خرسانية ونقاط تفتيش وحراس مسلحون. ويشعر المسؤولون بأنهم سجناء في مدينتهم لغياب السيطرة على شوارع المنطقة الحمراء. والصحراء الممتدة بين نهري العراق العظيمين دجلة والفرات مليئة بالكهوف والتلال والأودية الرملية والدروب والمسالك الخفية التي يستخدمها البدو والمهربون. وتقول قوات الامن انها تفتقر إلى العدد الكافي من الأفراد لتسيير دوريات في المنطقة. وقال اللواء الركن مهدي الغراوي قائد الشرطة الاتحادية في الموصل "للأسف هواية مناطق مو تحت قبضة الاجهزة الامنية. يعني بسبب.. يعني اذا كل كيلومتر نخلي به قطعات فهذا مستحيل من 2000 كيلومتر الى 2500 كيلومتر يراد قطعات اضافية اخرى." ويستطيع المتشددون الاختباء في في البعاج إلى الشمال الغربي من الموصل أو في القيارة إلى الجنوب من الموصل أو في الشرقاط شمالي تكريت أو في الحويجة في الجنوب الغربي من كركوك ليفلتوا من الملاحقة عبر حدود المحافظات. وقال اللواء الغراوي "المشكلة عندنا احنا مثلاً التنظيمات موجودة بالقيارة والشرقاط. الشرقاط مقابل القيارة.. نفس العشيرة. لكن شيء راجع لصلاح الدين وشيء راجع للموصل. وهذه مشكلة حقيقية احنا نواجهها. اللي لازم موافقات خاصة حتى ابو الموصل ينفذ بصلاح الدين وابو صلاح الدين ينفذ بالموصل." وأصبحت الاتاوات التي توصف بأنها "جزية" المصدر الرئيسي لتمويل المسلحين الذين ينفقون الملايين على السلاح والمنازل الامنة والسيارات والرشى التي يدفعونها مقابل تحرير قادتهم المسجونين. ويقول مسؤولون في المخابرات ان المسلحين في الموصل وحدها يجمعون ما بين ستة ملايين وسبعة ملايين دولار شهريا. ويقول مسؤولون إن قائمة دافعي الجزية تشمل المتاجر والفنادق ومشغلي مولدات الكهرباء وسائقي شاحنات الوقود وتجار الاسمنت وسماسرة العقارات وشركات الاتصالات ويشددون على أن الجميع يدفع بمن فيهم المسؤولون أنفسهم. وقال زهير الجلبي رئيس لجنة إعمار الموصل التي شكلتها لحكومة المركزية "الصياغ تدفع.. الصيادلة يدفعون.. تجار تدفع.. ,اطباء تدفع.. مقاولون يدفعون. باعتراف مدير مشاريع المحافظة بأحد اجتماعات اللجنة الامنية.. قال احنا المقاولون يدفعون. هناك معلومات تقول ان مدراء الدوائر الحكومية يدفعون. وهذا الموضوع يعني اصبح ما حد يكدر يقول ماكو جزية بالموصل." وأضاف "أهل الموصل ناس حريصين. يعني ما من الممكن ان يطلع الدينار بغير محله. مو مسألة بخل وهذه المسائل لكن هو من الجزية غير مضطر غير اكو تهديد.. غير اكو قتل. دخلي اي واحد ما يدفع ثاني يوم يبقى على وجه الحياة." ويقول مسؤولون إن أكثر من 600 صيدلية و1350 مشغلا لمولدات الكهرباء و42 ساحة لانتظار السيارات وعددا كبيرا من المطاعم في الموصل يدفع كل منها ما بين 100 و200 دولار شهريا منذ نحو عامين. ولا توجد في الموصل علامات تذكر لمشاريع اعادة الاعمار الاقتصادية التي تنفذها الحكومة في أماكن أخرى وهو أمر يستغله من يسعون لضم أعضاء جدد إلى الجماعات المتشددة. وغالبا ما تكون فرص العمل الحكومية المتاحة في قوات الامن لكن السكان المحليون يخشون الانضمام إليها. وقال محمود السبعاوي قائد قوات صحوة القيارة بالموصل "ضابط من اهل المدينة ما يكدر يخدم بالجيش العراقي ويسكن داخل المدينة. اتحداه اذا يكدر يسكن داخل المدينة. الشرطي ما يكدر والجندي ما يكدر يسكن داخل المدينة." وكثير من رجال الشرطة بالمنطقة من الشيعة وينتمون لمناطق بعيدة من البلاد الأمر الذي يشير شعورا بالاغتراب بين العرب السنة. ويحتجز علي رعد حسن داخل سجن الغزلاني بالموصل بعد أن وزع تسجيلات مصورة لتنظيم القاعدة. وذكر حسن وهو أب لثلاثة أطفال انه عمل مع المتشددين بعد أن يئس من العثور على وظيفة ملائمة رغم حصوله على شهادة من جامعة الموصل. وقال حسن "عندي اطفال يحتاجون حليب وحفاضات وشغلات. يعني .. مصروفاتي الشهرية تتجاوز 300 الف دينار (نحو 260 دولارا)." وتوزع في الموصل تسجيلات مصورة خاصة بتنظيم القاعدة يظهر في أحدها رجل يقطع رأس أحد رجال الشرطة عقابا له على الانضمام إلى قوات الأمن.
https://telegram.me/buratha