كتابة صوت مبحوح..!
الكاتب والإعلامي قاسم العجرش qasim_200@yahoo.com
دعيت قبل أيام للكتابة في إحدى صحف بغداد التي يقول عنوانها الرئيسي أنها "سياسية ـ مستقلة ـ عامة"، وجلست مع رئيس تحريرها والرجل كان دمث الأخلاق طيب اللقاء، لكنه يعتقد أن الكتابة (مهنة) عدتها ورقة بيضاء وقلم وفنجان قهوة أو (استكان) شاي وسيكارة..وتبدأ السطور بعدها بالإنثيال.. وقد صرح برؤياه هذه من غير حرج! وقال لي أن شروط الكتابة في جريدته هي أن لا أتناول حزمة من مواضيع بعينها: لا تكتب عن مجلس النواب والحكومة والقضاء، ولا عن القائمة العراقية والتحالف الوطني ولا عن التحالف الكوردستاني أيضا..! وأكتب ما شئت غير ذلك!.. وزاد على ما حدد من مواضيع لا يتعين الكتابة فيها، أن طلب بأن يكون له الحق في تعديل العمود الذي سأرسله له كي يتناسب مع ما أسماه خط الجريدة...قلبت ما قال في رأسي فلم أجده قد ترك لي شيئا أكتبه!.. فالكتابة ـ أيا كانت ـ عملية بحث دؤوب واستخلاص وتحليل ثم الوصول إلى النتائج التي تفترق حسب زوايا النظر، ثم يتم تجميعها لتتحول إلى "الكتابة" كعملية عقلية متكاملة..ليست فعلا قابلا للتدخل من الآخرين ـ على الأقل على مستوى التفاصيل ـ لان الكتابة تبقى في النهاية نشاطا فرديا بحتا، فالتتابع والبنيان المنطقي للتفكير لا يمكن أن يتم إلا في ذهن شخص واحد فقط، وهو القادر وحده على امتلاك قابلية تحديد مسار كتابته وقدرة قول ما في ذهنه، وهو الوحيد الذي يمكنه أن يضعه على الورق... والكتابة عملية ترتيب بالغة التعقيد، تجري تفاعلاتها داخل رأس واحد، ولو حاول شخص ما أن يشرحها لبدت وكأنها فوضى شديدة، ولكن الوحيد الذي يعرف أين "مكان" الأفكار هو الكاتب ذاته، وهو وحده الذي يستطيع استحضارها ببساطة وتلقائية، ومادام قد عرف (مكان) الأفكار في مساحة عقله فانه بهدوء يمد يده ويعثر على ما يريد ـ لينزله كتابة على ورقة.. وتغدو هذه الورقة ملكه ونتاج إبداعه، وليس من حق احد أن يشطب أو يغير فيها جوهرا.. نعم يجوز فيما تعارف عليه الناس نحوا، التصحيح.. لكن في سواه يضحى التدخل أمرا تعسفيا ليس في محله، وانتهاكا لمساحة الإبداع لا يمكن تسويغه بالحرص والمسؤولية والمهنية وهي كلها ممهدات للانتهاك..ما يكتبه الكاتب مساحته هو فقط، وكل ما يكتبه يتساوق مع مكنوناته وهو من عندياته هو فقط، ولا مجال للتدخل أو المداخلة.. فيما ينشره الكاتب أو يروم نشره هناك وضعان أمام الناشر أما يقبل أو يرفض، واذا أراد التعديل فليكتب هو ما يريد وعندها يكون المطبوع تعبير عن صوت واحد هو صوته فقط الذي لا يلبث أن يبح!...
كلام قبل السلام:في النهاية أكتب ما أريد لا ما يريدون....
سلام..
https://telegram.me/buratha