السيد حسين الصدر
بين الطلاب والاساتذه الفارقُ بين أبناء هذا الجيل ، ومن سبقهم من الأجيال في طريقة التعاطي مع أساتذتهم ، كبيرٌ ومثير للغاية ..!!!لقد كان المعلم يحظى بمكانة متميزة عند طلابه ،وكانت له مهابة خاصة، ومنزلة ساميه عندهم ،تجعلهم يتعاملون معه تعاملهم مع آبائهم إعظاماً واحتراماً ....لقد كان من الصعب على الطالب ان يواصل المسير في الشارع ، اذا ما وجد استاذه سائراً فيه حياءً وإجلالا ..!!ولقد كان غالبُ المعلمين على درجة عاليه من الاخلاص والحرص على تربية طلابهم وتغذيتهم بالعلوم ، ونشأتهم النشأه الصالحة السليمة .وكان من نتائج ذلك المسار ،ازدهار الأوضاع العلميه والاخلاقيه في عموم المراحل الدراسيه ...أما اليوم فدعوة الطلاب الى الدروس الخصوصيه ،التي يتقاضى عنها المدرسون أجوراً ليست بالقليله ،أصبحت ظاهرة غير قابلة للنكران ..!!وهذه الدعوة تستبطن النكوص عن قيام المدرسين ببذل ما يلزم من الجهود لايصال طلابهم الى مرحلة التفاعل، والاستيعاب الحقيقي للمواد الدراسيه المقرره لهم .وحين تكون العلاقه بين الطرفين مشوبه بطابع ماديّ ،فمن الطبيعي جداً ان تتغير كل المعادلات الموروثه ، لتحل محلّها معادلات جديدة مشوبه بطابع (تجاري) يبعدها عن ان تكون في عداد المعادلات المصونه من الشوائب ....!!!والسؤال الآن :أين موقع الطلاب الفقراء ، وهم الغالبية - من معادلات السوم على أجور الدروس الخصوصيه ؟انه إجحاف واعتساف وتفريط واضح ، بالغالبية من الطلاب ، الذين لا قدرة لهم على دفع تلك الأجور ، وفي هذا من الاستهانه والاستخفاف بهم ما فيه .....لقد كانت نصائح المدرسين المخلصين لطلابهم تشق طريقها دون تلكؤ ، وتؤثر فيهم ايّما تأثير ،واذكر ان المرحوم الاستاذ الدكتور نعمه رحيم العزاوي كان قد درسنّا العربيه في ثانويه الحلة في أوائل الستينيات من القرن الماضي -وكنتُ يومها قد اخترتُ الفرع العلمي لا الأدبي - فأشار عليّ بان أتجه الى دراسة القانون في كلية الحقوق ، وهكذا كان ،رغم أني لم أكن قد فكرتُ في ذلك من قبل ان الدكتاتوريه البائده قد أفسدت الأوضاع التعليميه والاخلاقيه حين أدخلت "الحزبيه" في عموم المراحل الدراسيه ، حتى لقد أصبح الكثير من الاساتذه يحسبون الف حساب للأشرار من طلابهم الحزبيين ..!!وفي ظل الدكتاتوريه البائده انفتحت شهوات الاميين من (الرفاق) على الحصول على أعلى الشهادات ..... !!! وسخرّوا من الاساتذة من يكتب لهم الأبحاث والأطاريح ...!!!ونحن اليوم نعاني من آثار ذلك التخريب الأخلاقي والعلمي والثقافي والاجتماعي ، وحين ينفتح باب (التزوير) على مصراعيه فليس سهلاً إغلاقه ....وهذا ما وقع بالفعل ......والحديث عن قطاع التعليم ذو شجون ، تماماً كما هو الحديث عن باقي القطاعات ، التي تئن من سوء الخدمات ، وكثرة النتوءات ، وتراكم التقصيرات .ومن المفيد ان ننقل هنا حكاية (أبنيْ المأمون مع استاذهما (الفراّء) - العالم النحوي الشهير - لما لها من دلالات ومضامين ،تكشف عن عمق مكانة (الاستاذ) في نفوس (طلابه) ، وبالتالي فهي تعكس مكانة العلم والعلماء في حياة الأمة :نقل ابن خلكان في وفيات الاعيان /ج3/291 :{كان المأمون قد وكّل الفراء يلقّن ابنيه النحو ، فلما { كان يوماً أراد الفراء ان ينهض الى بعض حوائجه ، فابتدرا الى نعل الغراء يقدمانه له ، فتنازعا أيهما يقدمه ، فاصطلحا على ان يقدم كل واحد منهما فرداً فقدماها وكان المأمون له على كل شيء صاحبُ خبر ، فرفع ذلك الخبر اليه ، فوجه الى الفرّاء فاستدعاه فلما دخل عليه قال :مَنْ أعزّ الناس ؟ قال :ما أعرف أعز من امير المؤمنين ، قال :بلى من اذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليّا عهد المسلمين ، حتى رضي كل واحد ان يقّدم له فرداً ، قال :يا امير المؤمنين ، لقد اردتُ منعهما عن ذلك ،ولكن خشيتُ ان أدفعهما عن مكرمة سبقا اليها ،أو أكسر نفوسهما عن شريعة حرصا عليها ،وقد روي عن ابن عباس انه امسك للحسن والحسين رضي الله عنهم اجمعين ركابيهما ، حين خرجا من عنده ،فقال له بعض من حضر :أتُمسكُ لهذين الحدثين ركابيهما وأنت أسّن منهما ؟ فقال له :اسكت ياجاهل لايعرف الفضل لاهل الفضل الاّ ذوو الفضل فقال له المأمون :لو منعتهما عن ذلك لأوجعتُك لوما وعتبا ، وألزمتُك ذنباً وما وضع ما فعلاه من شرفهما ، بل رفع من قدرهما،وبيّن عنْ جوهرهما ولقد ظهرت مخيلة الفراسة بفعلهما ، فليس يكبر الرجل وان كان كبيراً عن ثلاث :عن تواضعه لسلطانه ووالده ومعلّمه العلم وقد عوضتهما بما فعلاه عشرين ألف دينار ولك عشرة آلاف درهم ، على حسن أدبك لهما ..!!))أقول :بغض النظر عن الاموال التي دفعها المامون لولديه ،والتي لاندري أهي من بيت مال المسلمين فتكون وصمة عار عليه ، لتلاعبه بها ، وايثاره ولديه وتفضيلهما على عامة المسلين ، أم من مورد آخر ؟!ان الحكاية نابضة بروح التقدير والتثمين للعلم والعلماء ، وناطقه بصوره من صور الادب الرفيع في التعاطي مع الاساتذة والمُربين ، لايخلو استذكارها من الفوائد ، التي حفل بها تراثنا الثمين ، بكل ما فيه من كنوز وتلقين ومضامين .
https://telegram.me/buratha