حامد اللامي
ان السيادة هي تلك المؤسسة الواسعة والمحتكرة من قبل الدولة والتي تعتبر جزءا اساسيا منها , ولاتسمح لاي جهة اجنبية المشاركة في سيادتها الوطنية .ان تأسيس وادارة المؤسسة العسكرية والامنية والعلاقات الخارجية ورسم الخطة الاقتصادية الملائمة لمجتمعها وكذلك اختيار النظام السياسي ...كلها خاضعة لسيادة الدولة ولايمكن تجزئتها .هذا المبدأ النظري للسيادة الوطنية لاي دولة مستقلة ومساواتها مع الدول الاخرى كما اقرة القانون الدولي ... اما السيادة في عالمنا الثالث , عالم البلدان الضعيفة ...فهل هي فعلا تختار نظام الحكم وبدون تدخل اجنبي؟هل الدولة الوطنية فعلا تدير مؤسستها الامنية والعسكرية باستقلال تام؟هل لها نظام اقتصادي مستقل بعيدا عن هيمنة الدول الكبرى؟هل بأمكانها رسم سياستها الخارجية ؟لمعرفة الاجابة عن تلك التساؤلات يجب الوقوف عليها:1ـ المؤسسة الامنية والعسكرية:لقد ادى التداخل الوظيفي بين امن الدولة والشركات الامنية الاحتكارية الى ضعف ادارة الدولة بل وفقدان السيطرة على امنها وقواتها ... ان الشركات الامنية اصبحت تشكل القوة الحقيقية القادرة على توظيف السياسة الامنية للدول الكبرى من خلال تلك الشركات , وعلى حساب امن الدول النامية , حيث ان خصخصة المؤسسة الامنية من خلال اعطاء الضوء الاخضر لفتح مكاتب وشركات امنية واستخباراتية ,اصبحت الدولة ليست الجهة الوحيدة صاحبة السيادة والتي تتحكم بملفها الامني او تأسيس اجهزة امنية وسرية ... بل اخذت تلك الشركات الامنية على عاتقها حماية رجال الاعمال والشخصيات وكذلك الوساطة لشراء الاسلحة , وتشكيل فرق مسلحة وتقديم الخدمات والاستشارات العسكرية لاطراف متنازعة في العالم الثالث , وقد اخذت حكومات تلك الدول على تشجيع تلك الشركات الامنية لكي تستفاد منها في الانشطة السرية .ان تلك المراكز الامنية والاستخباراتية اصبحت تشكل امتداد وظيفي للدولة وباشكالها الرسمية , وقد منحت تلك الشركات مهام تعدت حدود السيادة الوطنية في عدم مراقبتها في عملياتها السرية وعدم التدخل في انشطتها وبرامجها .. ولها الحق بان تجوب البلاد طولا وعرضا بدون اي مسائلة او اعتراض امني من الموظفين الامنين في جهاز الدولة .فمن خلال مكافحة الارهاب , ذلك الغطاء الذي ادى الى احتضان الزمر المتطرفة وتوجيهها الى طريق الارهاب ,بل وجعلت ترابط بين تلك الزمر الارهابية وبين اعضاء في الاجهزة الامنية للدولة.اذا من خلال خصخصة المؤسسة الامنية واعطاء الدور الاكبر للشركات الامنية اصبحت الدولة الوطنية فاقدة لاحد عناصرها السيادية المهمة .2ـ الاقتصاد الوطني:ان الدول النامية كانت ولازالت مصدرا للنزاعات الدولية بهدف السيطرة عليها وعلى اقتصادياتها والحاقها بالتكتلات الدولية ...فقد تم تسريب الوظائف السيادية للدول النامية من خلال المشاركة او الالحاق وهو مايمثل الوجه الثاني للعولمة ويسمى بالتهميش... وهو الفكر الليبرالي الجديد والهادف الى تقليص مبدأ السيادة الوطنية .ان جوهر سياسة الدول الكبرى هو الحاق الدول الضعيفة للاحتكارات الدولية , ومن اوجه هذا التقليص هو الاقتصادي والاجتماعي ... ودخول العالم عصر العولمة احدثت اختلالات جوهرية على الوظائف الخدمية للدولة ادى الى اختلال اخر للدولة حيث اصبحت غير قادرة على ضبط التوترات الدولية الاجتماعية الناتجة عنه ... ونشاهدها من خلال تفكيك القطاعات الانتاجية للدولة واختلال دور الدولة في الحياة الاجتماعية , وانحصار دور الدولة في مجال الرعاية الصحية والتعليمية والضمانات الاجتماعية , وادت الى تفكيك ملكية الدولة وهي خصخصة بعض القطاعات الخدمية والانتاجية وتسمح للقطاعات الاخرى بالتحالف مع مثيلاتها بالدول الصناعية من جهة اخرى , ان عمليات الدمج تجري بين الشركات الخاصة الصغيرة مع الشركات الاحتكارية الكبرى وظهور شركات جديدة وبمسميات جديدة اخرى... وهذا الاندماج قد اضعف سيطرة الدولة ورقابتها على مؤسساتها الخدمية والانتاجية من خلال هجرة المكاتب الرسمية للشركات من بلدانها الى بلدان اخرى وظهور سياسة الضرائب لصالح الشركات الاحتكارية ...كذلك هجرة رأس المال وانتقالها الى الدول الكبرى , ادى الى ظهور قضايا اجتماعية جديدة منها تحول الطبقة البرجوازية من اطارها القومي الى اطار اممي متلائم والمصالح العالمية . والطبقة العاملة كان بأمكانه ان تكون اممية اصبحت وطنية , ورعاية مصالحها داخل اوطانها.اذا سياسة الخصخصة والاندماج ادت الى تنامي الدور السياسي الاقتصادي للشركات الاحتكارية , وهو تشكيل بنية اقتصادية جديدة للعديد من الشركات الاممية, ومن تطلبات هذه البنية الجديدة تعديل القوانين الوطنية وبالخصوص الضرائب والعمل والاجور والحقوق النقابية ... وظهور ازدواجية في دور الدولة الوطني والدولي من خلال تسريب العديد من وظائف الدولة القانونية والادارية والامنية الى الشركات الاحتكارية مما يجعل الدول تتحول شيئا فشيئا الى اجهزة بيد الشركات الاحتكارية .ومن خلال ما تقدم نلاحظ التغيرات التي حصلت وأدت الى تقليص مبدأ السيادة الوطنية بمشاركة دول متعددة في قضايا وطنية محددة او نقل تلك القضايا من محيطها السيادي الى المحيط الدولي , بحيث اصبحت كل قضية في البلدان النامية تأخذ مأخذا دوليا .لذلك ان تدويل الوظيفة الامنية ومن خلال التشابك الدولي للاجهزة الامنية والمخابراتية , مما ادى الى تداخل المصالح الوطنية والدولية بحكم العولمة الجديدة .. ونتيجة لتداخل الاجهزة الامنية وبعدة مستويات منها تداخل الانشطة الامنية لاستنادها على اسس مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة وغيرها .كذلك الترابط بين الدول الكبرى والدول النامية كالتعاون الثنائي والتعاون الاقليمي عبر الاتفاقيات الامنية لتبادل المعلومات تساعد على ضبط النزاعات ومكافحة الارهاب ومن خلال ذلك يتضح ان الاجهزة الامنية للدول الكبرى هي المهيمنة على القرار الامني للدول النامية ومن خلال بناء الشركات الامنية تحت واجهات وطنية مختلفة وتصبح التزامات القضايا الامنية والمخابراتية من اهم سمات الدولة. ومن خلالها يتم رصد البنية الاجتماعية للدول النامية ... واختراق المنظمات والاحزاب السياسية لغرض التأثير على توجيهاتها السياسية. وقد ادى التداخل الوظيفي بين امن الدولة والشركات الاحتكارية ومنها الامن الصناعي والتجاري ورئاسة المنشئات والحماية الشخصية لمدراء الشركات والتجسس على الشركات الاخرى وغيرها .... , ناهيك عن التشريع بقوانين خاصة بالشركات , كل هذه المهام اصبحت بيد الشركات الاحتكارية , مما ينتج تحويل الشركات الاحتكارية الى مراكز استخباراتية تتشابك في عملها مع عمل الاجهزة الاستخباراتية للدول النامية .وكذلك تشكيل اجهزة ثقافية واعلامية متخصصة في انتاج وصياغة التقارير المشوهة وتزوير الوقائع بهدف خلق راي عام مساند للتدخلات العسكرية ومساند للاجهزة السرية لتنفيذ مخططاتها السياسية والاقتصادية والامنية .لذلك اصبحت السيادة الوطنية مجرد نظرية لامكان لها في التطبيق العملي الواقعي على الارض ... اصبحت مجرد شعار فقط في عالمنا الثالث... بلدان مسلوبة السيادة تحت وطء ورحمة الشركات الاحتكارية , لهيمنة الدول الكبرى الراعية لتلك الشركات.
https://telegram.me/buratha