( بقلم : عباس الامامي )
كان العراق على مرُِ العصور والأزمنة التأريخية والى يومنا هذا قطب الرحى في حركة تأريخ البشر الذي إختاره الله تعالى خليفته على أرضه، فما من نبي أو وصي نبي إلاّ كان من العراق أو وطئ اقدامه أرضها أو ذكره بشكل من الأشكال في أحاديثه ووصاياه لأتباعه.ولا ينسى التأريخ دور العراق يعد الفتح الاسلامي في تقدم العلوم والنهضة الحضارية ولا سيما بعدما أصبحت بغداد مهد العلم والعلماء في زمن الخلافة العباسية، وانتشرت معاهد العلوم والترجمة والتأليف، وكان للعلماء الذين تخرجوا من مدرسة الإمامين محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق عليهما السلام دور غير خفي في تلك النهضة العلمية الكبيرة والتي تدين لتراثها العلمي الجامعات والمراكز العلمية الى يومنا هذا.ونظرا للظروف السياسية التي مرّ بها الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام السبط السابع لرسول الله (ص) والامام المفترض الطاعة في مذهب الامامية الإثنا عشرية والمتوفى في رجب سنة 254 هـ في سامراء، حيث أجبر على الاكراه بالاقامة فيها والتي بنيت كمعسكر وثكنات عسكرية لجحافل الجيش العباسي، ومن بعده أجبر مكرها خلفه الامام الحسن بن علي العسكري عليه السلام من قبل الخليفة العباسي بالاقامة في سامراء حتى توفاه اللـه فيها يوم الجمعة 8 ربيع الأول سنة 260هـ ودفن مع أبيه في نفس البقعة التي بوركت بسبب أرواحهم الملكوتية وأجسادهم المرتبطة نسبا برسول الله وقدسيتهم بقدسيته (ص)، وشاءت الأقدار الإلهية بأن تكون غيبة الامام الثاني عشر من الأئمة الذين أوصى بهم رسول الله بالتزام طاعتهم والانتهاء الى أوامرهم والأخذ منهم في أحكامهم الشرعية ومن أخذ منهم وكأنما أخذ من رسول الله (ص) ومن ردهم وكأنه ردَ رسول الله (ص)، وأن لهذه الغيبة حكمة ربانية تسير وفق مخطط إلهي لايعلم سرّها إلاّ اللـه تعالى، وإن كان هناك بعض التفاسير للعقل البشري من حكمة الغيبة تلك، وأن تكون الغيبة في تلك البقاع التي تسمى سامراء، وكانت من الحكم الربانية بأن تدخل هذه البقعة التأريخ من أوسع أبوابه، وتكون شاهدا على مستقبل البشرية، وأملا في إصلاحها، ونورا يضيئ درب المستضعفين، وصراطا يسير عليه المؤمنون إلى أن يتحقق لهم ولطالبي العدالة المنـّـة الربانية والوعد الإلهي الحق.ولولا هذا الوعد الرباني للبشرية والأرواح الملكوتية العظيمة التي سكنت تلك الديار لربما كانت تلك الأرض التي تسمى سامراء نسيا منسيا من ذاكرة الانسان، أو تحفة تراثية يزورها السوّاح من مختلف بقاع المعمورة بين حين وآخر.
إلاّ أنّ سامراء أبت إلاّ أن تبقى عامرة بأهلها ببركة تلك الأرواح النورانية المقدسة والتي صعدت الى الملكوت الأعلى من على أرضها، وبقي المؤمنون بالشجرة الطيبة التي ذكرها القرآن الكريم والتي زرع اللـه تعالى فرعا منها هناك يعمّرونه ويحيطونه ويحرسونه منتظرين وعد الحق الذي لا يخلف.وكانت سامراء المثال الحيوي لوحدة المسلمين بشكل عام والعراقيين بشكل خاص بكل إنتماءاتهم المذهبية والقومية متعايشين بالأخوة والوئام والتسامح الديني الذي يقل نضيره في كل الشعوب الاسلامية، وكان الأمر كذلك حتى أزيل النظام الظالم الذي جثم على صدر العراق قرابة حقبة من الزمن، وتنفس العراقيون الصعداء وشرعوا يلملمون جراحاتهم ليكونوا القدوة الحسنة والمثال الواقعي لبقية الشعوب الاسلامية والعربية منهم بالخصوص في بسط العدالة ونبذ الاستبداد، ولكن أبت عناصر الاستبداد والأدوات الخفية الشريرة وأعداء الانسانية محاولين القضاء على مضاجع العراقيين، وينكدوا عيشهم، ويفرقوا وحدتهم، ويجعلوهم طوائف لتستعر بينهم الحرب، وليرقص هم على أجسادنا نحن العراقيين وعلى نغمات الموت المفجعة لقلوبنا ليل نهار، فشحذوا هممهم وأرسلوا صبيانهم الى العراق الذين غسلوا أدمغتهم بالاصطلاحات الدينية وجعلوهم كالآلة الصماء التي لا تتحرك إلاّ بضغطة زرّ وبتوقيت معيـّنين.وهكذا شاءت الأقدار السياسية المعلومة على القاصي والداني بأن يتلاحم صبيان الفكر المكفّر للمسلمين مع صبيان الفكر الكافر بالاسلام وقيمه المتثّمل بالبعث العفلقي ويقوموا سويا بتفجير قبة كانت ملاذا للمسلمين ويُذكًر تحتها إسم الله في كل آن، حيث هي شامخة على طول التأريخ منذ بنائها وموحدة لقلوب العراقيين جميعا، ويركعون تحتها وفي ساحتها الى الواحد القهار ويدعونه لخلاص البشرية من الظلم والاجحاف، وكانت من الأهداف الشريرة لأولئك الزمر الضالة زرع التفرقة الطائفية وإشعال نار الحرب الأهلية بين أبناء العراق لتبقى النار التي تهدد عروش الطغاة بعيدة عن تلك العروش التي بنيت على جماجم الأبرياء من البشر.ولكن رب ضارة نافعة ولقد فات لأولئك المخططين والمنفذين لتفجير قبة الوحدة العراقية ولم يدركوا سنن الله في التأريخ حيث طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ولم يعرفوا حقيقة أبناء العراق المعتادين بالعض على الجراح، والمتمسكين بإرشادات حكمائهم وعلمائهم ومراجعهم الدينية والسياسية في حفظ وحدتهم وبالمرور على الفاجعة بكل حكمة وأناة ليحولوا شرارة النيران الى جليد يصقع وجوه أعداء العراق ويشلّ حركتهم.وإن تلك العملية الاجرامية التي فجرت قبة الوحدة العراقية أصبحت سببا مباشرا لإنتشار إسم الامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف في أصقاع الأرض حيث أراد أعداء الله والانسانية منذ زمن بعيد طمس معالم ذلك الإسم والوعد الإلهي الحق وحاولوا إخفاءه بكل الطرق والأساليب الماكرة عن قلوب طالبي الحق والعدالة، وأصبح العلماء والباحثين عن الإمامة الربانية الحقة يبحثون في المكتبات العالمية والاسلامية عن أنوار تلك الروح العظيمة وحقيقتها ونظريتها وفلسفتها الاسلامية ليهدي الله قلوب أقوام يبحثون عن الحق والحقيقة المطلقة وليتحقق الوعد الإلهي الذي لابد منه حتى ولو لم يبق من الدنيا إلاّ يوما واحدا، ولينصرنّ الله من ينصره، وقد خاب من افترى.
https://telegram.me/buratha