المقالات

افتتاح طريق الديمقراطية

591 16:09:00 2012-04-21

بقلم : طارق رسن

تسع سنوات مضت على سقوط صنم بغداد في ساحة الفردوس، تسع سنوات مضت بحلوها ومرها على تخلص العراقيين من قبضة النظام البعثي المستبد الذي كان يمسك بمقاليد الأمور بقبضة من حديد على مدى أكثر من ثلاثة عقود مظلمة، عانى فيها العراق بمختلف مكوناته وأطيافه شتى أنواع الرزايا والويلات، فلم يكن العراقيون يخرجون منهكين من حرب طاحنة، حتى يدخلهم الطاغية المقبور في أتون حرب أخرى ألعن من سابقتها، ناهيك عن ممارساته لكل أشكال القهر والإجرام الدموية التي كان النظام الصدامي يتقن أساليبها القذرة أكثر مما يتقن شيئا آخر.وبسقوط النظام الدكتاتوري على أيدي قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في التاسع من نيسان عام 2003 خرج العراقيون من جوف الظلم والاستبداد ليدخلوا مرحلة جديدة من مراحل حياتهم السياسية والاجتماعية لم يكن لهم سابق عهد بها، ولا بما تحمله وتبشر به من مفاهيم وقيم مغايرة لما ألفوه واعتادوا عليه في السابق . الدستور، الانتخابات، البرلمان ، وحقوق الإنسان ، وحرية التعبير عنالرأي..والكثير من هذه النظم والمفاهيم التي تستند عليها الأنظمة الديمقراطية في العالم المتقدم كانت مجهولة ومبهمة في ذهنية المواطن العراقي البسيط ، ولم تجد لها يوما ما مكانا مناسبا في ثقافته وأنماط حياته المختلفة طيلة عقود القهر والاستبداد الماضية. ومن الطبيعي والمتوقع أن تحدث بعد التغيير المفاجئ ردود أفعال متباينة تجاه الديمقراطية وقيمها الجديدة، تختلف درجتها من مواطن لآخر تبعا لنسبة وعيه ومدى تقبله لمثل هكذا ثقافة طارئة تحاول فرض نفسها عليه وبقوة. وبما إن إرث الطغاة ثقيل، وإنهم لا يتركون وراءهم  سوى الخراب، وسوى شعوب منغلقة على نفسها تفتك بها أوبئة الجهل والأمية .. وتبعثر هويتها الوطنية الواحدة هويات صغيرة ثانوية عرقية وطائفية وقومية، والكثير من الأمراض الاجتماعية الأخرى، لذا فقد كانت ردود أفعال العراقيين في أول الأمر تجاه الديمقراطية والتحول الجديد غير واضحة، ما أدى إلى تنامي الشعور بالإحباط وخيبة الأمل لدى الكثيرين منهم، لا سيما وان الإرهاب الأعمى بات يستهدفهم وينغص عليهم حياتهم بكل ما أوتي من وسائل خبيثة ومروعة،  لكننا يجب أن لا نستمرئ على الدوام إلقاء تبعات ما حصل من تعثر في مسيرة ديمقراطيتنا الناشئة على شماعة النظام الدكتاتوري السابق، وان كانت سببا جوهريا في ما نعانيه اليوم من اضطراب وتشوش، وتخلف عن الآخرين بمختلف المجالات، لأن ذلك من شأنه أن يبعث فينا روح التواكل والاستسلام ويكبل إرادتنا وسعينا نحو التغيير ، وما علينا سوى أن نطوي صفحة الماضي الأسود، ونبدأ من جديد في صراع مرير ضد كل المعوقات والمعرقلات التي تحول دون تقدم وترسخ المبادئ الديمقراطية في بنية المجتمع العراقي المتلهف للاستقرار والأمن وللحياة السياسية السليمة، وهي معركة غاية في الصعوبة، لكن لابد لنا من مواجهتها بكل ما أوتينا من قوة وحكمة.إن لزعماء الأحزاب السياسية مكانة متميزة ومؤثرة في المجتمع، فهم بمثابة القدوة الصالحة والمثل الذي يحتذى به، وعليهم تقع مسؤولية كبرى في إشاعة قيم العدل والتسامح والمساواة ليس بين أتباعهم وأنصارهم فحسب، بل بين المواطنين بصورة عامة بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية. وذلك من خلال سلوكياتهم ومواقفهم وأقوالهم التي يجب أن تتجسد فيها معاني الديمقراطية بأفضل صورها، وان يسعوا دائما في مخاطبة عقول الجماهير لا إلى مخاطبة عواطفهم وأهوائهم لكي يغرسوا في وجدانهم النزعة العقلية المتنورة، ويخلقوا أجيالا قادرة على مواصلة الطريق نحو بناء صرح الديمقراطية المنشود. بيد إننا لا ننسى بأي حال من الأحوال دور الطبقة المثقفة الواعية في قيادة المجتمع والنهوض به في هذه المرحلة الانتقالية الخطيرة التي يمر بها، فمسؤوليتها لا تقل عن مسؤولية الزعامات الحزبية في هذا الخصوص.العراقيون اليوم هم ليسوا عراقيي التسع سنوات الماضية، فقد بدؤوا يدركون أهمية مشاركتهم في العملية السياسية من خلال الانتخابات، ومدى قدرتهم في التأثير على توجهات الحكومة وقراراتها، وأصبحوا يلاحظون الفارق الكبير بين ما حققته لهم ديمقراطيتهم الناشئة من مكاسب وما تحققه ديمقراطيات الدول المتقدمة التي سبقتهم بعهود طويلة في هذا المضمار، وبالرغم من هذه المقارنة اللا موضوعية إلا إنها تدل على إن مستوى وعيهم آخذ بالتصاعد شيئا فشيئا، وإنهم ما عادوا يقنعون من الديمقراطية بمجرد المظاهر والشكليات دون أن تكون لها نتائج ملموسة على أرض الواقع. التسع سنوات الماضية وبرغم ما شابها من تعثر وأزمات في العملية السياسية، وإخفاقاتكثيرة، أهمها عدم حصول التوافق والانسجام في الرؤى والاتجاهات بين المكونات والتيارات السياسية الفاعلة، وما ينجم عن ذلك من تأثيرات سلبية، إلا إننا يجب أن ندرك بان هذه الأمور المغلوطة هي نتاج طبيعي لعملية الانتقال الصعبة من مرحلة سابقة إلى مرحلة أخرى مختلفة، وقد تكون جزءاً من درجة التقدم والنضج السياسي لدى الأحزاب السياسية والمواطن العراقي وهم يخوضون في طريق الديمقراطية المحفوف بالمخاطر والآلام.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك