حافظ آل بشارة
اللهم ارحم الاعلاميين ، فقد وقعوا بين المطرقة والسندان ، فان ذكروا الحكومة بخير شتمهم الناس ، وان حاولوا الفرار من غضب الشارع وذكروا الحقيقة عن عذاب العباد وفقرهم وبطالتهم وكهرباءهم وحصتهم عاتبتهم هواتف الحكومة ، أصبح حالهم كحال النابغة الذبياني مع النعمان بن المنذر وقد استسلم لغضبه قائلا (وانك كالليل الذي هو مدركي وان خلت ان المنتأى عنك واسع) ، من يستطيع الهرب من ليل الحكومة ، لابد للاعلام المؤمن بالعملية السياسية ان يتواصل مع الحقائق بأمانة ؟ بوسع رجال الحكومة الجلوس في المقاهي ، او التجول في الاسواق ، او زيارة سكان الاكواخ متنكرين ليسمعوا كلام الناس بلا وسطاء ؟ الاهالي متفقون على القول بأن ساسة البلد منشغلون بالصراع السياسي وقد اهملوا كل شيء ، هناك نواب وحكوميون يؤكدون القضية نفسها ، الناس لا يكرهون نوابهم ولا وزراءهم ولكن يطالبون بحقهم ، شيخ عشيرة قال لمراسل : ان السياسي انسان ، والانسان مخلوق محدود القدرات اذا انشغل بشئ غابت عنه اشياء ، فالجماعة انشغلوا في صراعاتهم ونسوا مشاكلنا ، ثم قال (وقد بدأ المراسل يرتجف ويتلفت) : ان اعمال الدولة تراجعت كثيرا في هذا البلد ، فانت لا تستطيع ان تنجز شيئا من امورك الا بالرشوة العلنية ، الدوائر لا تمتلك الرغبة الطوعية في خدمة الناس مع انها تعمل باجور ! وهنا انهى المراسل اللقاء وانصرف اسفا وهو حزين ، صحيح ، جهود مكافحة الفساد تراجعت ، المشاريع المختلفة تباطأت ، وسائل الاعلام اصابها الملل من توجيه النقد لانه اصبح صرخة في واد ، لذا أقترح رسالة اعلامية بديلة وهي تشجيع حالة التكيف الاجتماعي مع هذا الوضع ، ثم تشجيع المبادرة الفردية ، والعمل التطوعي الذي يصنع المعجزات ، الشرفاء حاضرون في كل مكان ، ومبادراتهم مستمرة لخدمة بلدهم ، المبادرة الفردية تحل محل المبادرة الحكومية ، كل يوم يسجل الشرفاء مواقف رائعة فلا يذكرهم أحد ، الفاسدون وحدهم يملأون الشاشات ، اجعلوا الشرفاء المضحين تحت الأضواء ، عسكريون ابطال يحبطون محاولات تفجير كارثية يوميا ، اداريون ابطال يركضون لانجاز معاملات المواطنين يوميا ، اطباء ابطال يسارعون الى انقاذ مئات المرضى بجهد شخصي يوميا ، عمال وكسبة يبحثون عن لقمة الحلال يتصببون عرقا ويعودون مكدودين تئن كل خلية في اجسادهم لا يشكون عذابهم لأحد يوميا ، مقابل هذا المعسكر الفدائي يستغل الفاسدون من حثالة البلد غياب الاجهزة الرسمية او ضعفها ليواصلوا سرقة الاموال وتعذيب المستضعفين ، سباق غير مرئي بين الصلحاء والفاسدين لاملاء الفراغ ، أين الاعلام ولماذا لا يسلط الاضواء على هذه المعركة ؟ امجاد الأمم وقدرتها على البقاء تقاس بعدد المبادرين المتطوعين وما يسجلونه من نجاحات ، فأؤلئك هم الوارثون . الأمة الحية الخالدة ينتصر فيها الشرفاء ، والامة السائرة الى الانقراض ينتصر فيها الفاسدون ، فاين الاعلام ؟
https://telegram.me/buratha