حميد الموسوي
الفساد، هذه المفردة المقززة، لطخة مشينة، ووصمة عار تُثير الاشمئزاز.. وتزري بحاملها.. لا تفارقه حتى وهو مقبور.. إلى يوم الدين!، تناولتها الكتب السماوية بالذم والاستهجان، وربطتها العدالة الربانية بالسقوط والرذيلة وجردت حاملها من كل ما يمت إلى الإنسانية بصلة، فارضة على مرتكبيها عقاباً دنيوياً وآخروياً تردد بين النفي، والقتل، وتقطيع الأيدي والأرجل، هذا في الدنيا. ويوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من آتى الله بقلب سليم. فالله وحده العالم بفضيحة المفسد. أما في الأعراف العشائرية.. "فياويله.. وسواد ليله" من يُرمى بهذه التهمة المخزية. تبدأ الفضيحة بالتشهير، ثم نبذه و"كسر عصاه" وترحيله! وحتى في حالة قبول "الفصل وطمطمة القضية" يبقى "الفاسد" محتقراً ولا تقبل له شهادة وتنفر منه الناس. وأما في الدول الأوروبية: فأول إجراء يُقدم عليه الموظف الفاسد هو تقديم إستقالتة. بعدها "تشتغل" المحاكم صاعد نازل، حجز، وتغريم، ومصادرة أموال.. والذي منه. حتى تصبح فضيحتهُ بجلاجل، وأما إذا تورط بها الياباني "فهاي إللي كتبها الله عليه" لا ينقذهُ منها غير الإنتحار حسب طريقة الساموراي "ويفضها"!. استشراء الفساد في بلدنا المنكوب.. المنكود هذه الأيام.. وبهذه الصورة المرعبة المخيفة ليس من قبيل الصدفة، ولا هو بالظاهرة الطارئة، ولا دخل لإنقطاع الماء والكهرباء بالأمر.. إنه حصاد بذور الشر والخبث والخراب التي غرسها البعثيون.. ورعوها طيلة السنين الأربعين السود.. وتقبلتها بعض النفوس الضعيفة مرغمة.. ونشأت عليها أخرى بغير وعي.. وورثها جيلٌ محبط شوهته الحروب! وحرفه العوز والحصار المفروض المتفق عليه!. ثم جرفه طوفان رذائلهم المقصودة المتعمدة فقد عزَّ على تلك الطغمة الفاسدة المفسدة أن تبقى عائلة عراقية شريفة غير ملوثة تذكرهم بمخازيهم التي غرقوا بمستنقعها وحاولوا بكل ما يملكون من خُبث إغراق العراقيين بأجمعهم ليضيع "الأبتر بين البتران" وليقضوا على كل ما أسمه فضيلة وقيم، ومثل، وأخلاق. لعلمهم إن الفساد يضعف المجتمعات ويحيل أفرادها إلى أشباح خاوية. وإرادات رخوة.. ونفوس لا أبالية، وهياكل هشة معصوبة العيون، مشلولة التفكير بحيث تستطيع أي عصابة منظمة قيادتها وتسييرها وفق أهوائها وإنحرافاتها. وهذا ما حصل فعلاً.. فقد تمكن هُبل ورفاقه من تكبيل الجماهير المغلوبة على أمرها.. وسلب إرادتها.. وإخراجها من حرب لإحراق المتبقي في حرب أخرى، وجرهم من مستنقع لدفنهم في آخر أعمق! وطامّة بهذا الثقل. وظروف بهذا الوصف. وضغوط كارثية بهذه القسوة مضافاً اليها ما خلفته الحروب والمقابر الجماعية من أيتام وأرامل ومقعدين ومعاقين ومجانين و"بلاوي مطينة" من الطبيعي أن تفرز حالات من الفساد تفوق التصور بتعدد أشكالها وتشعب مواصفاتها حتى إضطرت السلطة في حينها أن تعدم وتقطع أيادي بعض من كانت هي السبب في إنحرافهم ودفعهم للإختلاس والإرتشاء من شركات أجنبية. وهذا النوع من الفساد هو الوحيد الذي عاقبت مرتكبيه وشجعت على الأنواع الأخرى. وجاءت مرحلة التغيير فكانت ساعة الفرج وكانت المتنفس! وكل تنفس بطريقته الخاصة! متنفس وجدت فيه بعض الفئران غياباً للقط! ووجد فيه بعض العبيد غياباً للسوط! ووجد فيه المنحرفون فرصة.. للشفط! ونال فيه المحرومون.. المتعففون مزيداً من السخط والضغط، ورأى فيه المتفائلون وميض أمل وقالوا "أزمة وتعدي" وفساد ستصلحه "النزاهة"! لكنهم تشاءموا.. ويئسوا حين راوا الفساد يلتهم كل مفاصل الدولة كداء مستشر وعلى اعلى المستويات ، وفي وضح النهار ..تحول الى امر واقع ، حتى بات الانسان الشريف والموظف المخلص النزيه يخشى ان يصاب بالجنون بعدما اصبح حالة شاذة بين زحمة الفاسدين والمفسدين .
24/5/416
https://telegram.me/buratha