السيد حسين السيد محمد هادي الصدر
المال ووسائل الاحتيالللمال سحرُه الكبير ،وتأثيراته الهائله على الناس ، فمن النارد أنْ تجد اهتماماً حقيقياً بالفقراء وان كانوا من ذوي الملكات الفائقة والمواهب المتميّزة ....ومن أهم وأخطر مشاكلنا اليوم قضية المال السياسي ،حيث أوصل (النطيحة) و(المتردية) ،الى مواقع لم يكن الوصول اليها متاحاً لغير أصحاب الكفاءة ، والخبرة ،والمهنيه ،والقدرة على النهوض بالمسؤوليات الجسام ...!!!ان شراء الذمم بالمال عملية بشعة بكل المعايير، أخلاقياً ،ودينياً ، وسياسياً ، وحضارياً ، ووطنياً ...وان الذين يبيعون أنفسهم ومواقفهم بحفنة من الأوراق الخضراء ، انما هم في الدرك الأسفل من الدناءة ، والخسة ، وانطفاء وهج الضمير ....ان شياطين الإنس كانوا يبيعون دينهم للطواغيت بالأموال ، وقد أدّى ذلك الى انتكاسات فظيعة استطاع معها الكثير من الطغاة ان يبتزوا الأمة حقوقها وكرامتها ، وان يجععلوا الرسالة العظيمة منتهكة القيم والضوابط والمفاهيم ....ولا شيء أنكى من ان يتحول الانسان الى (سلعة) في (مزاد) المحترفين السياسيين ،يساومونه ويواصلون إغراءه حتى يقع في الفخ .ان الكثير من أصحاب العقول والأقلام ، اصطفوا - بكل وقاحة- الى جانب الدكتاتوريه البائدة ،يشيدون بعظماتها ومناقبها ، وهم على يقين ،من زيف أقوالهم وشهاداتهم .وشهادات الزور ،مازالت تتوالى، وليس لها من سبب ألاّ تلك الصفقات المنكرة الشائنه ،التي يعقدها دهاقنه السياسة مع المذبذبين الانتهازيين ،على حساب الشعب والوطن ومصالحهما العليا ....ان اعداء العراق يمدون أولياءهم بسخاء ،وليس لهم من غرض الاّ الاضرار والاعاقة والاساءة الى مهد الاديان والحضارات ،ومركز الاشعاع الروحي والعلمي ، وقلب الاسلام والعروبه النابض ، القادر على ان يكون الرائد الفاعل في كل المضامير المهمة ،التي يرتبط بها مصير الأمة لا المنطقة وحدها ان التستر على قراصنة الفساد المالي والاداري من ناهبي الثروة الوطنيه هو التآمر على العراق من الداخل ..!!وهكذا يتكامل الجانبان - الخارجي والداخلي - لأبقاء العراق مشغولاً بنفسه ،وبأزماته ومشكلاته ،إبعاداً له عن أدواره الحقيقية المطلوبه في الريادة والقيادة والبروز محلياً وأقليمياً ودولياً .الحصانه الأخلاقيه واذا كان الشائع بين الناس ،الانبطاح أمام الاغراءات الماليه ، فانّ من الرجال ما لاتستطيع تلال الاموال أن تغريه أو تغويه .ان هذا النمط من الرجال ، على ندرته ، يبقى شعاعه متوهجاً على مدى الأحقاب والأزمان ومن هذا الطراز الرفيع الشريف الرضي ، الذي جمع المجد من أطرافه ، وكان مدرسةً في الأباء والشموخ .قرأتُ في سيرته : ان رجلاً جاءه وقدّم له مبلغاً من المال على نحو الهدية والصلة تعبيراً عن المودة ،فأبى الشريف الرضي قبوله ، ولكنه أشار عليه ان يعرض المال على طلابه وتلامذته - كانوا يومها أربعين طالباً يدرسهم في بيته - وقد ذْهل الرجل حين راى معظم تلامذته يرفضون قبول المال ايضاً لعدم حاجتهم اليه ، باستثناء واحد منهم ، فقد كان مَدِيَناً مطالباً بوفاء دينه .وحين سمع الشريف الرضيّ حكاية الدَيْن الذي أرهق هذا الطالب ، أمر أنْ يكون بيد كل طالب من طلابه الأربعين نسخة من مفتاح خزانته الخاصة ليأخذ منها حاجته متى شاء .ان هذه القصة مواّرةٌ بعبير الخلق الكريم ، بكل ما ينطوي عليه من رفعة ، وشمم ، ومواساة ، وبُعدٍ عن الوقوع في غرام المال .انها الحصانة الأخلاقيه في أروع معانيها وصورها .الحكاية المحزنه حكاية الشيخ ابن ميثم البحراني ت 679 هجرية حكاية ذات شجون انه من العلماء الاعلام في القرن السابع الهجري ، وله شرح فلسفي لنهج البلاغة وحين قدم العراق ، توجّه الى الحلّة ، وكانت يومها حاضرة العلم والأدب ، ودخل على حين غرة أحد مجالسها ،ولكن بهيئة متواضعة، فسلّم فردّ بعضهم عليه السلام وجلس قرب الباب وطرحت في تلك الجلسة مسألة شائكة ، فتصدّى الشيخ البحراني للجواب ،وتكلّم بنحو باهر فلم يحظ من بعضهم الاّ بالسخرية والتهكم ...!!! حتى انه حين حضر الطعام لم يجلس معهم على المائده ، وانما تركوه يأكل لوحده ..!!وجاءهم في اليوم الثاني وقد ارتدى الملابس الفاخرة، ذات الأكمام الواسعة ، والهينه الرائعة ، فحين سلمّ عليهم ، لقي من الحفاوة والتكريم ألوانا باهرة .وحين طُرِحَتْ في المجلس بعض المسائل العلميه ، تكلّم لكن بكلام سقيم ، بعيد كل البعد عن التحقيق فقوبل بالاستحسان لا الاستهجان.ولمّا أحضروا مائدة الطعام شاركوه فيها ، بكل أدب واحترام .وهنا ،وبينما هو يأكل ، ألقى كُمَّه في الطعام ، وقال :كُلْ ياكُمِي فدهش الجمع وسألوه عن معنى الخطاب ؟فقال :انما قدمتم هذه الأطعمه لأجل أكمامي الواسعه ..!!أنا صاحبكم بالامس ، لكن كنت بهيئة الفقراء ...واليوم جئتكم بثياب مترفه ومظهر أنيق وتحدثتُ بسقيم الكلام ، فرجحتم الجهالة على العلم ...!!!فاعترفوا بالخطأ، واعتذروا عما بدر منهم وهو القائل :طلبتُ فنون العلم أبغي بها العُلا فقّصر بي عما سموتُ به القِلُّتَبَيّنَ لي أنَّ المحاسن كلها فروعٌ وأنَّ المال فيها هو الأصلُانّ تجربته المرّة دعته الى التعميم ،ولسنا مع التعميم ، وان كنا لا ننكر تأثير المال، واللهاث نحوه في كثير من الأحوال
https://telegram.me/buratha