علي حسين
شكراً للسيد محافظ بغداد ورجال حمايته الأشاوس لأنهم لم يخيّبوا ظنّنا، ففي كل يوم يكشفون عن طبيعتهم والطريقة التي يديرون بها البلاد، القصة باختصار لمن لم يتابعها تتلخص في أن السيد المحافظ بعد أن تم تكليفه بمهام منصبه الرسمي قبل ثلاث سنوات قرر أن يسكن في منطقة العطيفية، ولأنه يشعر بالحنين إلى الأحباب والأقارب فقد تم شراء العديد من البيوت في المنطقة لهم.. إلى هنا فلا اعتراض، فمن حق اي مسؤول ان ينعم بالثروة التي هبطت عليه فجأة، ولا يمكن لأحد منا أن يصادر حق هذا المسؤول في أن يختار السكن الذي يناسبه، ولكن ليس من حق احد مهما بلغت منزلته السياسية أو مكانته الوظيفية أن يقسم بغداد إلى مربعات ومثلثات ثم يحولها إلى ثكنة عسكرية ، الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.
اكتب هذه الكلمات وأمامي تحقيق مثير للغاية نشرته الزميلة "العالم" أمس عن معاناة أهالي منطقة العطيفية من جارهم محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق الذي تحولت المنطقة بفضله إلى ساحة حرب لا يمكن تخطيها إلا بموافقة آمر اللواء "المحافظ"، الذي قرر أن يغلق كل المنافذ المؤدية إلى مساكن العباد ويسمح بمنفذ واحد فقط شريطة ألا تدخله المركبات التي لم تحصل على باج الدخول، مما يضطر الناس إلى السير مسافات طويلة من اجل الوصول إلى منازلهم.. وأنا اقرأ هذا التحقيق المثير تذكرت صورة الرئيس الفرنسي ساركوزي يقود دراجته الهوائية كل صباح ليمارس رياضته المفضلة دون ان يصدر فرماناً بمنع هذه الرياضة، وطافت بخيالي صور زعماء ومسؤولين يتجولون في الشوارع ويمازحون الناس، وهي صور تحمل الكثير من الدلالات والمعاني تجعلنا، نحن المساكين، نشعر بالمرارة والأسى حين نرى محافظا للعاصمة يحيط نفسه بأسوار عالية وجدران عازلة يستحيل اختراقها، لا يلتقي بالناس وجهاً لوجه، لا يصافحونهم إلا بعد أن يتأكد عدم إصابتهم بإمراض معدية، بالطبع أنا لست خيالياً حتى أدعو السيد صلاح عبد الرزاق إلى أن يجلس معنا ويتمشى في الأسواق وان تتكحل عيونه
بأكوام "الأزبال" التي أصبحت ماركة مسجلة في كل شوارع العاصمة، ولن يذهب بي الخيال بعيدا فاطلب منه أن يراجع إحدى دوائر محافظته لإنجاز معاملة بسيطة، فنحن نعلم أن السيد المحافظ ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها وحمايتها من غريبي الأطوار أمثالنا، وهو رمز ينبغي حمايته على حد تعبير مجلس المحافظة، أنا فقط أريد منه أن يترك الناس يعيشون حياتهم بشكل طبيعي دون وصاية ودون شعارات مضحكة من عينة "أننا بلد ديمقراطي"، أو "أن الديمقراطية في العراق هي التي أشعلت فتيل التغيير في العالم العربي".
ولأن الحكاية لم تنته فان الفصل الأكثر فكاهة فيها هو الرد الذي تفضل به مجلس محافظة بغداد مشكورا على شكوى الناس ومعاناتهم، فالمجلس اعتبر المحافظ رمزا وطنيا مطلوب منا جميعا ان نفديه بأرواحنا وان نحافظ عليه في حدقات العيون، وعلى أهالي منطقة العطيفية ان يخرجوا وهم يحملون أرواحهم على أكفهم جهادا من اجل أن يبقى السيد المحافظ جاثما على قلوبهم.
مع هذا البيان الثوري لمجلس المحافظة، يحتاج الأمر منا جميعا إلى قدرة هائلة على تمالك أعصابنا قبل أن نموت من القهر والغيظ، فالرجل لم يكن ينوي أن يغلق المنطقة بوجه سكانها، لكن المجلس قرر ذلك خوفا عليه وباعتباره صاحب انجازات كبيرة لا يمكن لأهالي بغداد أن يغفلوها، أما اعتراضاتهم وشكاواهم فإنما تصب في خانة نكران الجميل التي يتمتع بها سكان بغداد كافة حين ينظرون بعين الحسد والحقد إلى سياسييهم الأجلاء.
قبل الانتخابات الأخيرة كان شعار جميع السياسيين خدمة المواطن أولاً والقضاء على الفساد وترشيق الحكومة ومحاسبة المفسدين، وبعد الانتخابات أجرينا بعض التخفيضات، واعتبرنا تشكيل حكومة كفاءات حداً أدنى يمكن أن يقدم للمواطن وبعد تشكيل الحكومة العملاقة خفضنا سقف المطالبة بالحقوق إلى مجرد توفير الخدمات والبطاقة التموينية.ومن يدري ماذا يحدث غدا، ربما يطلب من اهالي بغداد جميعا الاعتذار الى السيد صلاح عبد الرزاق عن مجرد وجودهم إلى جواره، ونطلب منه الصفح والغفران.
https://telegram.me/buratha