(قبل ان اسرد لكم قصة موت البكتريا اود الاشارة الى ان ما دفعني للكتابة في الموضوع هو خبر نـُشر مفاده تدني مستوى جامعاتنا قياسا بالجامعات العالمية وهو خبر مؤسف ومخيب للامال ولكنه متوقع وله عشرات الاسباب وفي ثنايا قصتي اليوم جانب منها .. لذا اقتضى التنويه )
خرجت ذات يوم معزية لاحدى صديقاتي التي أُفجعت بموت بكتريتها التي سهرت عليها اشهرا في مختبراتها ! ولم تكن تلك المرة الاولى التي اذهب لها معزية لذات المصاب ففي كل مرة اذهب مواسية لصديقتي ومستفسرة عن سبب الوفاة الجديد !
فتحت لي باب الدار والدتها وتمتمت معي ان واسيها فهي متألمة ولم اسال عن صديقتي لاني اعلم اين اجدها انها في غرفتها تقابل قطعة زجاجية وتبكي بحرقة !وكما اعتدت اتقدم لها بالعزاء بوقار وهي تمسح دموعها ولا ترفع نظرها عن قطعة الزجاج لتستجلب الحسرة تلو الاخرى وهنا لا اتحمل الا ان انفجر بالضحك بعد دقائق قائلة ( يمعودة الناس دتموت بالتفجير والخطف بكتريا شنو تبجين عليها !! ) وتدخل امها واخواتها قائلين ( مو بالله !!) وهنا نقلب مجلس العزاء الى حفلة شاي و( سوالف ) عراقية لنخرجها من تلك العزلة والحزن وتفتح قلبها بعد صمت شارحة اسباب موت الغالية بكتريا.
صديقتي طالبة ماجستير في كلية العلوم وكما هو معلوم ان رسائل تلك الجامعات تُدعم بجانب عملي ونتائج تحصدها تجاربهم وصديقتي تتعامل مع البكتريا التي تحتاج الى شروط خاصة واجواء معينة في المختبرات وهي تحتاج 6 اشهر لتصل الى نتائجها والى هنا الامر يسير ولكن شرط الستة اشهر ان تراقب البكتريا دوريا وان تحافظ على درجة الحرارة التي توفرها الكهرباء وهنا تكمن المشكلة .
في بداية كانت مختبرات الجامعات تحصل فيها قطوعات كهربائية مفاجئة تتسبب في كوارث لكلية العلوم حتى ان استمر القطع لدقائق وقد استدركوا الامر بعد تشييع الكثير من المشاريع للطلبة ومطالبة الطلبة لايجاد حل لهم بان يضعوا شاحن الكهرباء الذين يوفرها لساعات ويعمل على جعلها ثابتة وتم وضعه في المختبر وحُلت المشكلة بعد ان عدت سنوات ماتت فيها الكثير من امال الطلبة .
وفي اخر مجلس عزاء حضرته لها كانت اسباب الموت مختلفة فلقد ماتت البكتريا بسبب حدث سياسي تسبب في حظر التجوال لايام وهنا لم تستطيع صديقتي الوصول الى الجامعة وبذلك فسدت تجربتها وعليها البدء من جديد وفي كل بداية تحتاج 6 اشهر .
وبعد تلك الحادثة اضطرت صديقتي الى جلب البكتريا للمنزل مع جهاز شاحن لتصطدم باهلها الذين منعوها من استخدام ثلاجتهم لحفظ الامراض ! ولكن امام دموعها ومستقبلها الذي تبكي عليه صارت ثلاجات المحلة في خدمتها وقد جهزت منزلها بكذا خط للكهرباء ومع ذلك نراها تركض الى ( ابو المولدة ) متوسلة ان لا تتاخر في التحويل وتشرح له عن بكتريتها وعن جهاز الشحن وهو يتأملها كما يتأمل العاقل المجنون !! .
وفي تلك الحالة نهرع اليها بقوالب الثلج الى البكتريا التي تحتضر وهي تصرخ حاملة المحرار وبعد دقائق تقول لا جدوى فقد تحللت او تكاثرت في سيل من مصطلحات البايولوجية .
جاء التهجير وتركت صديقتي وقد مرت 3 سنوات دون نتائج وكان من المفروض انها تصل اليها ب 6 اشهر وصار تواصلي معها عبر الانترنيت وفي كل مرة اسال عن البكتريا فتقول ادعيلي !! وفعلا نجح مشروعها بعد 5 سنوات وحصلت على شهادتها بعد جهد جهيد .
ان سردي لتلك القصة القت الضوء على نقاط منها
1- ان مشكلة الكهرباء هي السبب في رجوع البلد الى الوراء في كل المجالات واولها الدراسة .
2- عدم جدية الاستاذة في المتابعة وشعور الطالب بان الاستاذ يتابعه (من ورة خشمة ).
3- هذه الباحثة هي من اكفأ طلبة العراق واحرصهم وهي تحلم بزمالة دراسية والتي تـُقدم بطبق من ذهب الى كل من لديه واسطة ممن لا يدركون من الجامعة شيئا سوى الجلوس في الباركات ومتابعة ( الرايح والجاي ) .
4- الباحث لا يتم دعمه بالمال والمواد والمختبرات الجيدة والكتب الحديثة ويضل حائر بمشروعه وكلمة ( مشكلتك ) تلاحقه اين ما حل .
5- ان هذه القصة القت الضوء على جانب ان الطالب كفوء والامكانيات محدودة وهناك جوانب افدح وهي تقصير الطلبة فاغلب طلبة الجامعات الان هم ليسوا بالمستوى المطلوب وتستطيع قياس الامر من خلال المحاورة العادية وليست العلمية ولذلك اساب كثيرة لا يسع لتفصيلها المقام .
جامعاتنا ... جامعة بغداد وعراقتها والمستنصرية وانجازاتها والتكنلوجيا وحيويتها والكوفة ورصانتها والموصل وصرامتها نرجو ان لا تضيع السمعة وان تتكاتف الايادي من اجل جامعات افضل .
وفي الختام وحتى نشير ان المشكلة ليست فقط في الكليات العلمية اليكم بعض الماسي الفكاهية فلقد حضرت جلسة لاختيار مدرسات في مدرسة اهلية وكان المطلوب تقديم المدرسّة لدرس مختصر حتى يتبين اسلوبها وشخصيتها وعلميتها والتي من المفروض ان لا تقع ضمن الاختبار لانها صاحبة شهادة فالدرس لتحديد سلوكياتها اكثر من علميتها عموما
تقدمت مدرسة بعنوان ماجستير لغة عربية جامعة المستنصرية فنصبت الفاعل وجزمت بادوات النصب فـُصدم الجالسون ولكنهم ارجعوا الامر الى الارتباك , فسألوها عن فعل اجوف اي يكون وسطه حرف علة مثل ( طار وقال ..) فاجابت بثقة تين !!!! ان صاحبة الماجستير تلك لا تفرق بين الاسم والفعل !!!
الى هنا اقف فلقد ارهقت القارىء الكريم اسال الله ان يوفقنا في تحمل مسؤولياتنا وان نطور انفسنا على الاقل وان كان تقصير الحكومة تجاهنا كبيرا ولكن هذا ليس سببا للتقصير في حق انفسنا ولتكن صديقتي مثلا فهي الان مقبلة على رسالة الدكتوارة ولم يثنيها ما شهدته اثناء الماجستير فقط لانها انسانة حريصة وطموحة وتستحق كل خير وحري بالعراق ان يفخر بها .
بغداد
https://telegram.me/buratha