( بقلم : المهندس جمال الطائي )
( يا حوم أتبع لو جرينه صرنه ازواج او ما فرينه !!! )بهذه الكلمات التي الف العراقيون على توليفها مع كلمات واغاني االبعثية , كان يدمدم قريبي ابن ال 17 سنة بعد معركة تحرير الكويت والانتفاضة الشعبانية فسمعه ( صديق بعثي ؟ ) طالب معه في اعدادية الكاظمية ف ( نكره ) بتقرير للحزب القائد , أعدم قريبي الشاب لاجل هذا البيت ومنعت عائلته من تشييعه او اقامة الفاتحة له !!! .
تذكرت قريبي وانا أتصفح هذه الايام صفحات المواقع الالكترونية , فعرفت بالذكرى الاربعينية ( ألاولى ) لاعدام ( قايد الامة ومهندس منهولاتها ) ولاننا العراقيين شعب طيب القلب وقصير الذاكرة , فيبدوا ان هذه الذكرى قد شغلتنا بل وانستنا مئات الاف العراقيين الذين اعدمهم ( سليل الدوحة المحمدية !!!) والذين اقسم مخلصا ان حذاء اي منهم اغلى واشرف من صدام وعائلته حتى سابع ظهر .
أنا شخصيا لم اكن قد قررت ان اكتب عن هذه المناسبة , الا ان مارأيته من عشرات الماتم و ( العزيات ) ومئات ( المفكرين والمثقفين والقادة !!! ) من اقصى ارض العربان حتى اقصاها الذين بحت اصواتهم وهم يجهشون بالعويل والنحيب على ( زينة شباب القادة العرب ؟ ) والذي ( فطس ) في اول ايام عيدنا الاكبر . ولانني من نوع العراقيين القطريين وليس القوميين ( بحسب ادبيات حزب البعث المحظور ) , فقد قررت انني اولى بان أكتب عن هذا الشأن العراقي ( فأن جحا اولى بلحم ثوره ) , و الثور هنا عراقي فنحن اولى بالكتابة عنه . حضرت قلمي واوراقي وهيئت نفسي للكتابة واضعا نصب عيني نصيحة كانت جدتي رحمها الله غالبا ماتقولها , فعندما كنا نذكر احد ما كانت تقول ( أذكروا محاسن موتاكم ) قررت ان ابحث لصدام عن حسنة اذكرها , فلم اجد ... فقررت بعدما اضناني البحث عن حسنة ل ( قائد الحملة الايمانية ) ان اصرف النظر عن الكتابة عنه وبالامس استفزني المدعو ( نوري المرادي ) والملقب ب ( الجحش ) في مداخلة له مع برنامج الاتجاه المعاكس الذي كان يستضيف الدكتور طالب الرماحي , ثم قرأت له عدد من المقالات في بعض المواقع البعثية عن ( المرحوم ) وعن انجازاته وعن افكاره !! , ولمن لايعرف الجحش ( نوري المرادي ) فهو مقيم في السويد , وهو شيوعي سابق اعلن الحزب الشيوعي انه طرده ( لاسباب اخلاقية ) , ولم يجد زريبة تأويه , فصار يتمسح بارجل القتلة والمفسدين بحثا عن فتات موائدهم ..
يوم وصل الجحش المرادي لاوربا , ادهشه اهتمام الاوربيين بالبيئة والسلام وحماية الاحياء , حيث كان حزينا جدا ولما سئل عن السبب اجاب : وجدت هنا احزاب مهتمة بالبيئة , كحزب الخضر , وجماعات مهتمة بالحيوان , وحتى من يهتم بالمياه .. لكنني وجدت العالم قد اشاح بوجهه , ولم ارى احدا مهتما ب ( ألدودة !! )... لذلك فقد انشأ صاحبنا المرادي تنظيما اسماه ( جماعة اصحاب الدودة ) وقد انضمت لها مجاميع ضخمة من الصحفيين والسياسيين والممثلين والكتاب العرب من شتى الدول .. واخذ المرادي كمسؤؤل مهم في هذا التنظيم , يصرح بين حين واخر من على قناة الجزيرة عن ( السيد الريس ) وعن فكره وثقافته !! , وقد اعادني حديثه سنوات عديدة للوراء , الى ثمانينات القرن الماضي يوم كنا طلاب في جامعة بغداد , كنا نخرج للدوام صباحا ونستمع من راديو السيارة لاذاعة بغداد حيث كانت تذيع مابين السابعة والنصف والثامنة صباح كل يوم اغنيات لفيروز , بعدها مباشرة ( يهجم ) علينا المذيع ببرنامج اسمه ( من فكر القائد ) , ولابد ان القاريء يذكر الاسفاف والضحالة التي كان الاعلام يتناول فيها ( فكر القائد الملهم ؟؟ ) شخصيا , سأستغل هذه المناسبة لاذكر حادثة تحضرني , يمكن ان تسلط ولو بصيص ضوء على جزء من طريقة تفكير ( ألقائد ) , كنا مجموعةاصدقاء في كلية الهندسة / جامعة بغداد , وكان معنا صديق ( هو وحيد ابويه ) , وكان والداه استاذين في نفس كليتنا , والده بروفيسور في قسم ووالدته دكتورة في قسم اخر .. ولان صديقنا كان وحيدهما , فقد كانا يعاملاه بحرص شديد , ولم يكونا يطيقان ان يغيب عن ناظريهما , فكانا يأتيان به معهم الى الجامعة وينتظراه ليأخذانه معهم بعد انتهاء محاضراته .. وطبعا مثل هذه الامور في عالم الشباب تجعل من صاحبها ( نصبة ) فكنا نستقبله ونودعه دوما باغنية ( حبيب امك ) , المهم , تخرجنا من الجامعة , وكان صاحبنا من ضمن العشرة الاوائل على كلية الهندسة , وكانت هناك ( تعليمات ) ان اوائل اقسام الميكانيك والكهرباء يتم تنسيبهم الى منظمة الطاقة الذرية , اما باقي خريجي هذه الاقسام فينسبون للتصنيع العسكري . الا من توجد عليهم اشارات امنية فيساقون للخدمة العسكرية ( وقد كنت واحدا من هؤلاء ).
بقينا بعد انهاءنا دراستنا الجامعية ولعدة سنوات نلتقي اسبوعيا في منزل واحد منا ,فكانت لقاءات احبة واخوة رفضوا ان تفرقهم الايام وقسوة الواقع خارج اسوار الجامعة , وكنا نتابع بفخر واعجاب تقدم صاحبنا في عمله وترقيه المستمر في منظمة الطاقة الذرية , في عام 90 حدثت مأساة الكويت , وتبعها حرب الخليج , ثم الانتفاضة الشعبانية , وانتظر الناس حتى هدأ دخان المعارك , واستوعبنا صدمة الهزيمة الساحقة والدمارالمهول الذي حل بالعراق ... عندها بدأت الناس تتفقد بعضها البعض .. وبسبب شحة البنزين وانقطاع شبكة الهاتف .. فقد اتفقنا نحن الاصدقاء ان يتفقد كل واحد المجموعة القريبة منه . كانت عائلة صديقي تسكن العطيفية واسكن مع عائلتي في الكاظمية , فقررت ان اتمشى الى بيته لاسأل عنه ...
في المرة الاولى قال لي والده انه غير موجود , وفي الزيارة الثانية كان نفس الجواب , وتكرر الجواب مرة ثالثة , مما اثار استغرابي فالظروف حينها كانت تستدعي ان لايغادر احد منزله او يبعد عنه الا للشدائد , فالبلد خارج من ثورة عارمة , والنظام كالكلب المسعور لاامان له , وصاحبي كان ابواه لايفارقاه ايام السلام والرخاء فكيف يفارقاه في هذه الايام السود ؟؟؟ سألت استاذي ووالد صديق العمر والححت في السؤال فقال لي ادخل لتشرب قهوة معي .. في البيت اعدت سؤاله عن ابنه فاجابني : أنه في انكلترا !! دهشت , وسألته , كيف ؟ ولماذا ؟ وكيف تحملت ان يحيا ولدك خارج العراق , ولم تكن تتحمل خروجه من البيت للجامعة مع اصدقاءه ؟قال لي والد صديقي : هل تتذكر ماحدث قبل ( أم المهالك ), وما حصل من تعبئة عسكرية للشعب العراقي , حتى سيق للجيش الشعبي حتى الشيوخ ممن تجاوزت اعمارهم الستون عاما !! , وكان اخر من تم تسويقهم في قواطع الجيش الشعبي هم اساتذة الجامعات , فسوقونا الى منطقة الصويرة .. حيث كنا نعيش في ( جملونات ) بائسة ننام فيها على الارض , وكان يومنا يبدأ فجرا بأخذنا الى ساحة العرضات لعمل التعداد... ثم يتم اجلاسنا بشكل حلقات في ساحة العرضات , وبسبب اعمار معظمنا الكبيرة وما نحمله من امراض , وبسبب خجل معظم الضباط ونواب العرفاء منا كوننا اساتذة جامعيين ,كانوا يكتفون باجلاسنا حتى ترتفع الشمس ثم يقومون باعادتنا الى الجملونات .... وحدث في احد الايام وعند الظهر وقد كنا متعبين , وقد تمدد بعضنا على الارض , واسلم اخرين انفسهم لحزن عميق , فجأة انطلقت صافرات النواب عرفاء طالبين منا التجمع في ساحة العرضات , حيث جاءنا امر المعسكر , وطلب منا تنظيف الجملونات بسرعة والتهيؤ لاستقبال زائر مهم سيأتينا , وبقينا عدة ساعات بانتظار هذا الزائر المهم , حتى جاء عصرا, واذا بزائرنا هو نفسه ( صدام حسين ), بدأ ( ألريس ) معنا حديثه , وكعادته فقد كان ( يهذي ) دون ان يفهم احد مايريد قوله , فتحدث عن ( ألنسغ الصاعد والنسغ النازل ) , ثم حدثنا عن معركة الاحزاب , ثم تحدث عن معسكر الايمان ومعسكر الكفر, وعرج في النهاية على العباسيين وعلى دولة الخروف الابيض !!
بعدما انهى الريس حديثه سأل ان كان عند احد منا مايريد قوله ؟ هنا انبريت ( والحديث لاستاذي ) وقلت له :سيادة الرئيس , اننا نتمنى لخير اهلنا وبلدنا ان لا تحدث هذه الحرب , ولكن لو حصل وحدثت هذه الحرب لاسمح الله , فحربنا هذه المرة لن تكون كحربنا مع ايران ... نحن الان سنحارب اكبر قوة في العالم مع كل ماتملكه من تقنية وتطور علمي .. فهذه الحرب لو حدثت فلن تحسمها الكثرة العددية , بل ستكون حرب ازرار .. الامريكان وحلفاءهم لن يضحوا بجنودهم من اجل الكويتيين , لذلك سيتجنبون المواجهة القريبة التي قد تسبب لهم خسائر بل سيقاتلون عن بعد .. وسيبنون ستراتيجيتهم على هذا الاساس , وكما اعرف فاننا نملك من المقاتلين المتمرسين مايكفي , اما نحن ( اي اساتذة الجامعات ) , فانا لا ادري ماالذي نقدمه للمعركة والدولة بوجودنا في هذا المعسكر البائس , ومعظمنا قد تجاوز الخمسين , ويحمل من امراض الشيخوخة مايجعله عالة على الاصحاء !!!
أنا استاذ في كلية الهندسة , وعضو في المكتب الاستشاري الهندسي للجامعة , واستاذ زائر في جامعة كلاسكو , وخبير اقدم في المنظمة العالمية للعلوم والتكنولوجيا , يدرس عندي اكثر من 180 طالب بكالوريوس , واشرف على 11 رسالة ماجستير و3 رسائل دكتوراه , فأين اخدم العراق اكثر؟ هنا في هذا المعسكر تحت حر الشمس بلا عمل اقوم به, ام في ساحات اختصاصي العلمي ومع طلبتي اساهم في تدعيم قوة البلد العلمية ومده بالمزيد من العلماء.. يقول استاذي : اثناء حديثي كنت اراقب صدام وقد بدا التشنج على قسمات وجهه , وقطب حاجبيه, سحب سيكارا وبدأ يفض سيلوفانه بعصبية ثم اخذ عود ثقاب واشعل السيكار بعصبية واضحة , فتوقفت عن الحديث , فقال صدام بعصبية وهويضرب باصابعه على المنضدة امامه : اسمع , اني عندي الفلاح المايقره ولا يكتب ,ويجي يحمل السلاح يدافع عن الحزب والثورة , يسوه 20 واحد مثلك بهذاالمنطق ( الخياني )!!! , قال استاذي : بعد هذا الجواب الذي سمعته من رئيس الدولة والقائد العام للجيش ادركت ان لافائدة ترجى من الحوار فجلست , ثم حدث ماحدث للعراق , وبعدما خف ازيز الطائرات ووضعت الحرب اوزارها جلست وفكرت مع نفسي, فوجدت اني قد بلغت من العمر ما لم يبق بعده شيء اقدمه للعراق او ارجوه من الدنيا ..
اما ابني فهو مؤهل لان يصبح عالما , وجدتني سوف اظلمه اذا ابقيته في بلد يعتبر رئيسه ان الجاهل الامي الذي يدافع عنه وعن احفاد صبحة هو خير من 20 عالما , فقررت ان انقذه , فهربت به الى الاردن وراجعت السفارة البريطانية ( لانه ولد في انكلترا عندما كنت ووالدته نكمل الدراسات العليا هناك ) فهو يملك بين ولادة انكليزي , وعندما عرفت السفارة بوضعه وعمله في منظمة الطاقة الذرية سهلت سفره لانكلترا خلال مدة قصيرة جدا , حيث حصل على اللجوء .
هنا انتهى حديث استاذي , وفي انكلترا صار مقام صديقي , وهنا سأترككم وارجوا ان اكون انرت ولو شيئا بسيطا لمن لايعرف كيف كان يفكر صدام حسين !!ألمهندس / جمال الطائي
https://telegram.me/buratha