بقلم: ساهر عريبي
تمر علينا هذه الايام الذكرى السنوية الثانية والثلاثون لحملة الإبادة الجماعية لشريحة الكرد الفيليين العراقية والتي إرتكبها النظام الصدامي المقبور.ففي مثل هذه الايام من العام 1980 شنت الاجهزة القمعي الصدامية حملة مسعورة ضد هذه الشريحة المسالمة بدعوى انها من اصول ايرانية لتبدأ فصول مأساة جديدة في تأريخ البشرية والمنطقة. فالنظام البعثي الشوفيني صب جام حقده على هذه الشريحة المسالمة لاسباب طائفية ومذهبية. حيث بدأ حملة التطهير العرقي والإبادة الجماعية وذلك بإسقاط الجنسية العراقية عن أبناء هذه الشريحة علما بأنهم عراقيون أصلاء يسكنون العراق منذ القدم . ولم يكتف النظام السابق بذلك بل صادر كافة ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة خاصة وان الكثير منهم كانوا تجارا يسيطرون على سوق العراق الرئيسية المسماة بالشورجة .ثم أمعن النظام في سياسته الاجرامية عندما اودع العوائل الفيلية في السجون بعد ان اعتقلتها خفافيش الظلام ليقوموبعدها بفصل كل الشبان والرجال وليلقي بالنساء والاطفال على الحدود العراقية الايرانية ليعبروا فوق حقول الالغام التي حصدت ارواح الكثيرين منهم خاصة وان عملية التهجير استمرت لسنين خلال الحرب العراقية الايرانية. كان نصيب من وصل سالما من تلك العوائل هو السكن في مخيمات اللجوء في ايران حيث عانت تلك العوائل من شظف العيش مع فقدان المعيل ومع فقدان الاوراق الثبوتية الايرانية التي لا يحملها جل هؤلاء لانهم عراقيون.تركوا في المعتقلات الصدامية الرهيبة احبتهم ليذوقوا شتى صنوف التعذيب وليحولهم النظام فيما بعد لفئران بشرية يجرب عليهم الاسلحة الكيماوية والغازية السامة حتى اختفى منهم قرابة العشرة الاف شهيد لم تعرف قبورهم لحد اليوم ، وفيهم الطبيب والمهندس والمعلم والرياضي. حصلت كل تلك الجرائم وسط صمت عربي واقليمي ودولي مطبق وسط عالم عربي واسلامي يقيم الدنيا ولا يقعدها عندما يقتل في اسرائيل فلسطينيا واحدا وهي جريمة ووسط مجتمع دولي لا يدعي الدفاع عن حقوق الانسان فحسب بل عن حقوق الحيوان. الا انهم صمتوا صمت اهل القبور عن تلك الجريمة البشعة وعن تلك الابادة الجماعية التي وقعت وسط العالم الاسلامي والعربي الذي لم يرتفع فيه صوت يستنكر ذلك ولم تصدر فيه فتوى تحرم ذلك ولم يصدر فيه حكم يدين المجرمين بل كان صدام وزمرته ومازالوا ابطالا بنظر هؤلاء يبجلونهم ويحيون ذكراهم وهم الملطخة ابدانهم بدماء الضحاياالابرياء. تناثر ماتبقى من الكرد الفيليين في بقاع الارض المختلفة وخاصة بلاد (الكفر ) التي أوتهم ،وهم يعانون معاناة تهد الجبال فهم اما امهات ثكلى او ارامل فقدن الاحبة في السجون او اطفال ترعرعوا في ظل اليتم والفقربعد ان استولى النظام على كافة مدخراتهم وحصيلة اعمارهم وهو الامر الذي حتى لم تفعله اسرائيل بالفلسطينيين ، فاسرائيل اشترت اراضي البعض منهم ودفعت لهم ثمنها وسمحت لهم بالهجرة واما في العراق فقد صادروا كل شيء وحتى حياة ابناءهم ليلقوهم في العراء كما ولدوا وفي بلد كان يوما زهرة الحضارة الاسلامية حدث كل ذلك في بلد تتجاوز فيه اعداد المساجد الالاف و يقرا فيه القران بكرة وعشيا ويخطب فيه الاف الخطباء الخطب الدينية ويضم مؤسسات دينية ومراقد مقدسة لائمة المسلمين.في بلد تقرا فيه ومنذ اربعة عشر قرنا اية (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) في بلد يتردد فيه الحديث الشريف (الناس سواسية كاسنان المشط) وكلكم لادم وادم من تراب ( ويابني هاشم لا تاتوني بانسابكم يوم القيامة بل اتوني باعمالكم فوالله لا اغني عنكم من الله شيئا) . غير ان كل ذلك لم يمنع وقوع تلك الفاجعة التي لم يرتكبها النظام لوحده بل صفق لها الكثيرون ولازالوا. يفخرون بتلك الجرائم بل لازالوا يهددون بمعاودة الكرة وسيعودون. استبشر الفيليون خيرا عندما سقط النظام الصامي على ايدي القوات الامريكية وظنوا ان فصلا جديدا سيبدا في حياتهم ملؤه العدل والانصاف واعادة الحقوق السليبة.خاصة وان لهم باع طويل في النضال الوطني وفي مختلف الاحزاب بشقيها القومي والاسلامي وقدموا العديد من الشهداء في هذا الطريق.الا انه ولم تكد تمضي مدة قصيرة حتى تبخرت احلامهم وذهبت ادراج الرياح عنما ظنوا بان سقوط صدام يعني سقوط فكره واذا بالفكر الصدامي مازال معشعشا في النفوس وان تحقيق العدالة والمساواة واعادة الحقوق امر بعيد المنال . اذ لم ينصفهم اخوتهم في المذهب ولا اخوتهم في القومية وكل يدعي انهم ليسوا منهم وكانهم خلقوا من جنس اخر ومن طينة اخرى فلم ينالوا موقعهم الطبيعي في الدولة الجديدة التي تقاسمها الصقور . عاد من عاد منهم الى الوطن يريد استعادة جنسيته ففوجئ بحجم العقبات التي وضعت في طريقه. ارادوا استعادة بيوتهم المغتصبة التي يصلي فيها
المؤمنون صلواتهم اليومية فابوا ارجاعها لهم، ارادوا تعويضهم عن اموالهم غير المنقولة التي كانت مودعة في المصارف واستولى عليها النظام وسياراتهم وغيرها فلم يحصلوا على اي شيء، حلموا بان يتم تعويضهم عن سنين عمرهم التي ذهبت هباءا فلم يعطى لهم شيء. اكتشفوا بعد مدة وجيزة ان كل الشعارات الاسلامية التي رفعتها سابقاولاحقا الاحزاب الاسلامية الحاكمة اليوم لم تكن سوى وسيلة للوصول للحكم فهي لا تختلف كثيرا عن حكم البعث الصدامي فهي تمعن في الظلم والتمييز والسرقة والممارسات الدكتاتورية وهي التي تدعي انها تحمل فكرا فيه الحلول لمشاكل البشرية المعذبة وتتبجح بان منظومتها الفكرية المستوحاة من تعاليم الدين الاسلامي الحنيف هي المنظومة الافضل والاكمل متناسية ان مقياس الافضلية ليس على الصعيد النظري بل على صعيد التطبيق. فالله لم يقل في كتابه والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين اسلموا ولم يقل الا الذين امنوا فقط بل قال ( والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) فقرن الايمان بالعمل واما هؤلاء الادعياء فالسنتهم تلقلق وتتشدق ولكنهم عند التطبيق ينكصون.فهم يسرقون اليوم ويظلمون ويستحلون لانفسهم مايشاؤون لاجل الملك والحكم . ولا يعرفون سوى لغة القوة فعندما يرفع احدهم السلاح بوجههم ويقتل ويذبح فحينها يحترموه ويعطوه حقوقا لا يحلم بها واما ان طالبهم احد بحقه سلميا فلا يعيروه اذنا صاغية وهذه مشكلة الفيلية انهم لم يحملوا السلاح في العراق الجديد ولو حملوه لنالوا احترام الجميع ولملاوا مكتب القائد العام المملوء اليوم بقتلة العراقيين من حملة انواط الشجاعة الصدامية ولملأو وزارة الداخلية والدفاع التي تعج اليوم بوحوش الامن والمخابرات والدفاع الصداميين . هؤلاء لايعرفون سوى لغة القوة والسلاح لا يحترمون المسالم بل يخافون سطوة المجرمين والارهابيين فيتنازلوا لهم صاغرين لانهم ينتمون لذات الثقافة الا وهي ثقافة الغزو والاغارة والسلب والنهب والاعتداء على الاعراض والتي لم تفلح اربعة عشر قرنا منذ جاء النبي الاكرم بالدين الحنيف في تغييرها.فهذه النفوس جبلت على الظلم والنهب وسفك الدماء ولن ترتقي يوما لانسانيتها كما ارتقت كل الشعوب والامم والتي لا دين لها الا انها عادت لفطرتها السليمة ولانسانيتها. فلاعجب ان ظهر شخص اليوم مقرب من رئيس الوزراء يتوعد ويهدد الكرد في بغداد وجلهم من الفيليين الشيعة بالتهجير وبالقتل وبمصادرة ما تبقى لديهم من متاع هذه الدنيا الفانية ولا عجب ان صفق لذلك الكثيرون لان هذه النفوس الوضيعة لا تحمل في داخلها سوى الحقد والنزوع نحو سفك الدماء وتحصيل الغنائم. فتصريحات المحمداوي الاخيرة ضد اخوته في المذهب من الكرد القاطنين خارج الاقليم لاتعبر الا عن نهج يعيش في النفوس وينتظر اللحظة المناسبة لتطبيقه على ارض الواقع. فهؤلاء لاعهد لهم وهم من طينة واحدة فهم يتمسكنون عند ضعفهم الا انهم وعندما يستمكنون فلا يعرفون سوى لغة الغدر باصدقاءهم وحلفاءهم فهم اليوم يشنون حربا اقتصادية على الكرد وهم يدقون طبول الحرب مستخدمين ذات المجرمين الصداميين فهم مرتزقة تحت الطلب ولمن يدفع اكثر فيوم بعثيون ويوم ارهابيون ويوم مالكيون . لقد اثبتت هذه الاقلية التي تحكم بغداد اليوم والتي اغتصبت السلطة ان لا عهد لها وهي مستميتة في الدفاع عن ملك هارون ولو بسفك المهج وخوض اللجج وظلم الحلفاء والاقربين فلاىيتوقع الكرد الفيليون من هؤلاء الانصاف بل ليستعدوا لجرائم تهجير جديدة علي يد الصداميون الجدد المالكيون.
https://telegram.me/buratha