بقلم : وضاح اليمن عبد القادر
لا أحد يستطيع ان ينكر الدور السعودي في اليمن وتدخلاته المستمرة والمباشرة في الشئون الداخلية اليمنية منذ الستينيات والتقاسم الملكي الجمهوري للسلطة وافرازات مؤتمر خمر وما بعده واغتيال الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي وتكريس نظام صالح كربيب للنظام السعودي والتوقيع على اتفاقية الحدود التي ألغت حق اليمن واتفاقية الطائف التي تنص على استعادة اليمن لأراضيها المحتلة من قبل السعودية ، والتي لم تعمد حتى اللحظة دوليا ولن يكون ذلك الا في 2013وهو ما سبب القلق السعودي من انهيار نظام صالح جراء الثورة الشبابية الشعبية اليمنية قبل التوقيع على تلك الاتفاقية دوليا كون الاتفاقية لا تعد ملزمة بعد سقوط نظام صالح وكان من المفترض أن تمرر مثل تلك الاتفاقية التي تمس بسيادة البلد عبر استفتاء شعبي وهو ما تجاهله صالح ومرر الأمر عبر الأغلبية المرتزقة من أعضاء المؤتمر الشعبي العام مثلها مثل كثير من اتفاقيات التي انتقصت السيادة اليمنية ومررت عبر تلك الأصوات النشاز كصفقة الغاز لكوريا لمدة 25 عام بأقل الأسعار و بأبخس الأثمان .
نعرف ويعرف العالم حجم المؤامرات التي احاطت بالثورة اليمنية المباركة وكل الرهانات داخليا وخارجيا بتحويل اليمن إلى ثورة صراع طائفي ومذهبي ليأتي الدور السعودي من خلال " المؤامرة الخليجية " لإجهاض الثورة وقانون الحصانة الذي كرس بقاء النظام واختصار اليمن في بوتقة القبيلة والقوى التقليدية والمرتهنة إلى الأموال المغدقة من قبل المملكة والرواتب الشهرية والسنوية لكبار المشائخ وأولادهم منذ الستينيات والمتحكمين في رقاب الناس حتى اليوم .
حين شاركنا في يناير بداية العام الحالي في مؤتمر اليمن الذي نريد المنعقد في بيروت كانت قد وجهت لنا دعوة للمشاركة في مؤتمر الشباب والصحوة الاسلامية في طهران والمنعقد في نهاية يناير من نفس العام وأثيرت بعض التخوفات الغير مبررة من قبل المشاركين في مؤتمر بيروت حول المشاركة والذهاب لإيران ومع ذلك قررنا الذهاب مع علمنا المسبق بالحملة التحريضية التي سيوجهها لنا تيار القوى السلفية والدينية الوهابية وهي بالفعل ما تم بتوجيه التهمة لنا كعملاء ايران الجدد وكان الأجدر بهم أن يبحثوا عن مصطلحات جديدة بدلا عن كلمة عملاء لأنها أصبحت مستهلكة ومكتوبة على واجهة البنوك ومحلات الصرافة وشركات الاتصالات.
ومع معرفتنا المسبقة بكل ذلك أصرينا على المشاركة على مرأى ومسمع من الجميع وعرضت وقائع المؤتمر مباشرة على العديد من القنوات ، وسجل شباب الثورة اليمنية والمصرية مواقف تضامنية مع ثورة الشعب السوري والبحريني مع التأكيد على مراعاة موقع سوريا الحساس كدولة مواجهة .
عرفنا ايران عن قرب كدولة تمتلك مشروع حقيقي ناضج خرج من دائرة الهيمنة من قبل قوى الاستكبار العالمية والتبعية للغرب من خلال ثورة بنت واستثمرت في الانسان وأعادت له اعتباره قبل أن تنتقل إلى صناعة الابرة وصولا إلى صناعة الصاروخ بينما الشقيقة الكبرى تستورد مواد التجميل بملايين الدولارات سنويا وتصرف الملايين الأخرى في سباقات الهجن والبغال ، عرفنا الانسان الايراني البسيط عن قرب لنجد الموسيقى والرسم والورد جزء مهم في تفاصيل الحياة اليومية وليس ذلك بغريب كون الشعب الايراني شعب يمتلك تراكم حضاري وثقافي عريق يمتد لألاف السنوات قبل الميلاد بينما سلفيين العرب يحرمون الموسيقى والرسم والتصوير مما سهل عليهم ان يجدوا كثير من الشباب الذين يعانون من حالة الاكتئاب والمستعدين لتطويق خاصراتهم بالأحزمة الناسفة وتفجير أنفسهم في أماكن يتواجد فيها الأمنين من عباد الله من باب الجهاد فرض عين .
في ايران لا أحد يهتم هناك أن كنت سني أو شيعي ، يهودي أو مسيحي ، مسلم أو كافر ، كل إنسان له طقوسه ومشغول بحياته الخاصة بعيدا عن التدخل في خصوصيات الأخر التي تخل بالسلم والأمن الاجتماعي ، المرأة الايرانية هناك تجدها حاضرة في كل مكان ، والمرأة في الشقيقة السعودية تحرم عليها قيادة السيارة والاختلاط مع جواز أن يقود لها السيارة " بنجالي " أو " هندي " كونه يدخل في نطاق المحارم ، بالمختصر الثورة الايرانية أعادت للإنسان الايراني اعتباره وآدميته وهو ما يجعلها ثورة إنسانية وتحررية جديرة بالوقوف أمامها احتراما واجلالا بغض النظر عن أي تفاصيل أخرى كون الموضوع هنا ليس موضوع نقاش وبحث بل موضع مشاهدة وتلمس للواقع الايراني اليومي عن قرب .
وبالخروج من كل التفاصيل والعودة إلى حقيقة التدخل السعودي في اليمن يتضح اليوم النشاط الملحوظ لتنظيم القاعدة في أبين والذي معظم قاداته سعوديين للزج باليمن في صراع وحرب تشرعن وجود قواعد أجنبية في مياه اليمن الإقليمية في بظل حث السعودية عن منفذ على البحر العربي عبر حضرموت لمد خط أنابيب النفط
مما يسهل لأمريكا التدخل لحماية مصالحها لارتباطها الوثيق بالمملكة خصوصا بعد بروز ايران كقوة نووية وتزايد الضغط الايراني الرافض للتواجد الأجنبي في مياه الخليج كونه يمس ويهدد أمن ايران القومي والمنطقة ، كما يجدر هنا لفت الانتباه إلى الاشاعات التي تروج لعلاقات قيادات الحراك الجنوبي بإيران وتلقيهم الدعم المالي والدعم المسلح والذي يمثل محاولة لتمييع القضية الجنوبية والهروب من ايجاد حلول ناجعة لها على المدى القريب ، واذا كان الحراك الجنوبي السلمي بالفعل قد تلقى دعم لوجيستي ايراني منذ العام 2007 هل كان سيستمر في هذا النهج السلمي حتى اللحظة والذي مهد للثورة الشبابية الشعبية السلمية ولثورات الربيع العربي كافة .
زعزعة الامن والاستقرار في اليمن لا يخدم سوى التوجه السعودي من أجل ضمان بقاء اليمن تحت سيطرة السعودية سنوات قادمة وبما يخدم التواجد الأمريكي والغربي للضغط علي ايران بينما من مصلحة ايران بقاء اليمن مستقرا وأمنا لتفويت الفرصة على السعودية وحلفاؤها الأمريكان في فتح خطوط جديدة ضاغطة على ايران من جهة اليمن ، ومن يروجون اليوم عن التواجد الايراني في اليمن هو مجرد محاولة لتغطية الدور السعودي القذر والذي يحاول جاهدا اليوم إعادة اليمن إلى نفس المربع قبل ثورة الحادي عشر من فبراير الشبابية الشعبية السلمية ، ولا بد من خروج اليمن أولا من تحت الوصاية السعودية ومن ثم التعامل مع أي دولة في العالم وفق مبدأ الشراكة والندية لا التبعية والوصاية وفق ما تقتضيه مصلحة الوطن والشعب اليمني وصار لزاما على شباب الثورة اليوم البحث عن أدوات مغايرة لاستمرارية الفعل الثوري الضاغط وصولا للدولة المدنية المنشودة .
https://telegram.me/buratha