غانم عريبي
ليس هنالك مجال للندب والاستذكار والبكاء على قبر المرجع الكبير لان محمد باقر الصدر ثروة فكرية لاتموت ووهج ديني وروحي وطاقة متجددة لاتنفد وهو الى هذا اقرب الى القيادات الكاريزمية التي تستمر مع استمرار التضحيات والسطوع الكبير للافكار المشرقة ولن تموت طاقة حرارية في رجل الهم ولازال جيلا وسيمتد الالهام اجيالا مهمة من ابناء العراق.. ليس هنالك هذا المجال لان الذكرى بالقياس الى واقعنا السياسي ومستوى ادائنا كاسلاميين يثير الاسى مثلما يبعث على السخرية المرة!.
لازلت اتذكر نص المحاضرة التي القاها المفكر المرجع الكبير على طلابه في النجف قبيل استشهاده بفترة قصيرة وهو يؤدبهم على نهج ترك الملذات والابتعاد عن وهج السلطة والسلطان والعقود والامتيازات الاقتصادية والمادية بقوله (ماذا لو عرضت عليكم دنيا هارون الرشيد) وهاهي الدنيا تعرض علينا ونتكالب عليها اكثر من تكالب الرشيد على قصعة الامتيازات التي كانت تاتيه وهي امتيازات لاتساوي شيئا بالقياس الى حجم الامتيازات التي تاتي ابسط مدير عام من اهل السلطة من اخواننا الذين سبقونا الى المؤسسة والادارة والامتيازات والايفادات والسفر والتمتع بلذائذ الخدمة الوطنية!.
بيننا وبين الامام المرجع الكبير مسافة كبيرة لاتقاس بحجم ولا يمكن اخضاعها لمقص الرقيب واذا حذفت بالمقص فسيظهر البون الشاسع مابيننا وبين الروح الكبيرة للامام وهي روح ارادنا ان نتربى وفقها ونربي انفسنا واهلينا وجماعاتنا السياسية عليها .. على الشفافية بلا نزاهة وعلى الوطنية بلا تملق وهتاف وتصريح ومحاضرات نملأ بها اسماع الناس بلا مبرر ونحن غاطسون الى اذاننا بالفراغ والروح الخاوية والفساد الذي يزكم الانوف ..فلاول مرة يخرج رجل من بيننا متهم بسرقة قوت الناس في وزارة التجارة وقد قيل ان الرجل نزيه لكن اشقائه والمقربين منه فاسدون وهنا الطامة الكبرى ان يخرج رجل من الحاضنة السياسية والتربوية التي تعهدتها بالرعاية الاهتمام ونزفت دم قلبك عليها طيلة سنوات فاسدا ولايستطيع ان يردع الفساد الذي استشرى في وزارته ..واين؟ .. في الوزارة المسؤولة عن اطعام الناس بمفردات البطاقة التموينية!.
سيدي ابا جعفر.. هنالك من يرى انك لم تكن قريبا لنبض الامة بعيدا عن الام الناس ولست برجل سياسة قدر ماانت رجل علم ومعرفة واجتهاد واستنباط لان السياسة التي يفهمها هذا الرعيل من الاسلاميين قائمة على التوافق والتلاعب والتفنن في سرقة الثروة والتحايل على الناس واسقاط فرض التاكيد على الثوابت وانا اقول بان هذا النهج هو الذي يدمي قلبك كل يوم في عمليات الفساد والتزييف والخيانة وسرقة قوت الشعب العراقي وبناء المجد الشخصي على ضفاف دجلة!.
لو كنت موجودا بيننا اباجعفر ايها المرجع الكبير لقتلناك بايدينا ولوضعناك في اقل التقادير تحت الاقامة الجبرية لانك ستكون بالتاكيد ضد كل الاشياء السياسية المتناقضة والجوع والحرمان والبطالة وضد كل الذين وضعوا انفسهم في مواقع المسؤولية الكبرى وفي ملفات الخدمة الوطنية وهم لاعلاقة لهم بها وستخرج في اليوم التالي من وجودك في بغداد الى ساحة التحرير وتعلن انضمامك الى كتائب المطالبين بالخدمة والكهرباء وتتحول الى مرجع مطلبي بعد ان عشت دهرك كله وعمرك الذي قاربت سنواته الستين عاما مرجع تقليد!.
استعير هنا مقطعا للشاعر مظفر النواب يقول (لو جئت عليا ..لحاربك الداعون اليك وسموك شيوعيا) وانا اجزم انك لوجئت الى الحياة العراقية الحالية والتقيت بعض الرموز والقادة في الدولة العراقية الحالية لانكروا صلتك بالتاريخ وارتفعوا فوق هيبة الفكر والرؤية التي كتبتها دفاعا عن الاسلام والتيار الاسلامي واتهموك بالتحريض وربما خيروك بين المكوث مقابل الصمت على مايجري او الرحيل الى القيامة التي جئت منها وان كانت قيامة المجد والثورة واعلان التمرد على الاستبداد وانت الشهيد المكلل بالغار لكنك لن تختار غير موتك ثانية على جبهة مجدك الاولى.. جبهة الدفاع عن المحرومين لانك اردت وطنا تتعايش فيه كل المكونات فهو وطن علي مثلما هو وطن عمر دون ان نقحم الوطن بخلاف العراقية والقانون او استهداف هذا والتشكيك بذاك تحت دعاوى انصاف العراقيين من خصومهم وقتلتهم!.
لو جئت ياسيدنا الشهيد لهذا العراق الذي اردناه عراقا لجميع المكونات والابعاد والفئات لرايت اننا فشلنا في ادارة الدولة تنقصنا الحكمة في التصرف وينخرنا الفساد من كل جانب ونفتقد الثقة فيما بيننا فلا اتفاق يمكن ان يمشي ولا اطار يمكن ان نتوحد على اساسه وسنبقى ندور في فلك هذه المتاهة الى ان يعي العراقيون مسؤوليتهم التاريخية في اختيار الاكفأ والاصلح والانزه دون ان نترك الانزه والاصلح يتصرف كما يشاء.. ان الحمى تاتي دائما من القدمين ولابد لمن يقود الدولة العراقية ان يكون متحررا من قيود المستشارين من فئة المنافقين والدجالين الذين لاتهمهم الا المصالح والامتيازات وبناء الفلل على دجلة بوصفهم عباسيين جدد ولابد من ازالة هذه الشبهة كما ان الاصلح لن يكون الاصلح الا اذا قرن القول بالفعل وطبق رؤيته على نفسه وجمهوره وناسه ومؤيديه واطاره السياسي قبل ان يبشر بها في واقع الاعلام الوطني حيث تبدو وكانها ردة فعل على واقع سياسي لاعلاقة له بالفلسفة السياسية الخاصة بادارة الدولة.
ان شهادتك ايها المفكر الكبير والاب الاكبر ناقوس قيامة يقرع في كل لحظة ودقيقة وهي رسالة سياسية واجتماعية تاريخية تلمهنا العودة الى درس التاريخ الجهادي الاول الذي جسدت فيه قيم البطولة والشفافية ومنازلة المدارس الماركسية والراسمالية وواجهت واقع الفساد والدكتاتورية وابقيتنا لسنوات طويلة في المنفى نقتفي اثر الثورة ولطالما هتفنا ونحن في فيافي الصحراء او في الحدود المشتركة مع الوطن ..(باقر الصدر منا سلاما اي باغ سقاك الحماما) نزف بها شهيدا لنا سقط في ساحة معركة او استذكرناك في مناسبتك التي كانت تطل براسها الدامي كما راس الحسين كل عام ونحن في الغربة ..ان شهادتك رسالة مستمرة تعلمنا كيف نكون احرارا فلا نرتكب موبقة من اجل (عقد) رخيص او نبني منزلا منيفا على دجلة بملايين الدولارات باسم الجهاد والمجاهدين ونخسر منازلنا في الاخرة حيث تنطبق علينا مقولته الشهيرة التي طبقناها بحذافيرها ..ماذا لو عرضت عليكم دنيا هارون الرشيد ..وهاهو الرشيد يمنحنا اوسمة الشجاعة دون غيرنا من اتباعه في هذا المحيط العربي لاننا كنا فعلا من امهر الدعاة الذين تتلمذنا تحت منبرك وشبنا على النوم في غرفة زبيدة زوجة الرشيد!.
https://telegram.me/buratha