السيد حسين السيد محمد هادي الصدر
تفعيل العلاقة بين (المسؤول) و (المواطن) لا يتم عبر الاقتصار على بياناتٍ وكلمات تصدر من (المسؤول) ولا تلامس شغاف القلوب ..!!ولا شيء أثمن في مضمار تفعيل العلاقات بين الطرفين ،من التماس المباشر ، والجولات الميدانيه المستمرة ...وقد كان الكثير من المسؤولين العراقيين يفتحون أبوابهم للناس ،ولكل الطبقات بلا استثناء - في يوم معيّن من الاسبوع يحددونه - يتيحون فيه الفرصة للراغبين بلقائهم ، وهذا ما لم نشهده للأسف الشديد في أيامنا هذه ،من صغارهم فضلاً عن كبارهم ..!!لابل شهدنا المبالغة في تكثيف عناصر حمايتهم ،وشراسة طباع الكثير من هذه العناصر ، واستهانتهم بكرامة المواطنين ،عبر التعامل الخشن الشائن معهم دونما خجل أو حياء ، وكأنّ المواطنين أعداء المسؤولين ..!! وهي أسوأ صورة يمكن ان تصل اليها العلاقة بينهم ..!! اننا واثقون بانّ المسؤول الذي يستطيع الخروج من شرنقة التقوقع والبعد عن المواطنين ، الى فضاء الحركة الملحوظه ، في الشوارع، والأسواق ،والمجالس العامة .. يمكن ان يسجّل نقاطاً مضيئة من الامتيازات على الصعيد الأخلاقي ، وذلك من خلال تحليه بالتواضع ، والترسل ، والابتعاد عن المظاهر الزائفه ، وكل ذلك يُقَرُّبه من القلوب ، ويدعو الى الاعتزاز بممارسته الانسانيه .وكذلك يثري رصيده السياسي ، لأنّ إقباله على الناس ،يؤدي الى إقبالهم عليه ، وان تبادل المحبه بين الطرفين ،يكشف عن طراز فريد من التلاحم، وهو ما يقود الى ايجاد أرضيه قويّه واعدة ، تعتبر أهم الركائز المطلوبه للسياسيين .ثم انّ الحركة الميدانيه ، والاتصال المباشر بالجماهير ، يجسّدان الروح الوطنيه عند المسؤول ، ويثبتان عمق تطلّعه للخدمة الوطنيه ، الأمر الذي يقود الى مزيد من الاحترام والتقدير والتثمين لمساراته التي تُذكر فتشكر وما ذكرناه من فضائل الحركة الميدانيه والاتصال المباشر بالمواطنين ، يمكن ان يشكّل الأصل الذي لابُدَّ ان ينطلق المسؤولون منه ، في حين اننا لا نشهد في هذه الايام الا في حالات نادرة، تشكل الاستثناء ،ما يوحي باعتماد هذا الأصل والتمسك به !!الامر الذي يُعّد ظاهرة خطيرة للغاية ،ويكشف عن تراكم العُقد المزمنه، والاصرار على المضي في دروب الاحتجاب والانكفاء عن المواطنين ..!!ان على (المسؤول) ان يجتذب (المواطن) ،ويوسعه رعاية وعناية ولطفاً ،لا أنْ ينفرّه ، ويُبْعده ،ويملأ قلبه بالأشجان والغُصص ..!!وفي هذه الرعايه والاحتضان معنى العبادة الاجتماعيه ،التي تؤدي الى ان يكون المسؤول ثقيل الميزان بصالح الأعمال، فيجمع الحُسنيين ، في شوطه الأول والأخير..ومن طريف ما قرأت في كتاب (جمع الجواهر في الملح والنوادر ) للقيرواني ص 18 القصة التاليه :" خرج الحجاج متصيدا ، فوقف على أعرابي يرعى إبلاً ، وقد انقطع عن أصحابه فقال : يا أعرابي كيف سيرة أميركم الحجاج ؟ فقال الأعرابي :غشوم ظلوملا حيّاه الله ولا بيّاه قال الحجاج :فلو شكوتموه الى امير المؤمنين ، فقال الأعرابي :هو أظلم منه وأغشم ، عليه لعنةُ الله ! فبينما هو كذلك ، اذ أحاطت به جنوده فأوماً الى الاعرابي فَأُخِذَ وحُمِل ، فلما صار معهم ، قال :مَنْ هذا ؟قالوا :الأمير الحجاج ، فعلم انه قد أحيط به ، فحرّك دابته ، حتى صار بالقرب منه فناداه :أيها الأمير ، قال :ما تشاء يا أعرابي ؟قال :أحب ان يكون السُّر الذي بيني وبينك مكتوما .فضحك الحجّاج ، وخلّى سبيله "أقول :ان الحجاّج على جبروته وطغيانه ، لم يكن يترك توجيه الاسئله لمن يلتقيهم من عامة الناس، عن أوضاع البلاد والحكّام ، وفي هذا السؤال معنى التوق الى معرفة حقيقة ما يطوي الناس ضلوعهم عليه ، فلماذا يستنكف من لا يمكن ان يقارن بالحجاج في الاعتساف والانحراف من توجيه هذه الأسئلة الى المواطنين ؟انّ الاجابات عن هذه الاسئلة ، يمكن ان تعتبر من المؤشرات الداله على حقيقه الأوضاع ،التي يجب ان يقف عليها المسؤولون وهم يديرون دفة الأمور ..!!وقد استطاع الأعرابي بذكائه الفطري ، حين اعتمد النكته والظرف مع الحجاج ان يفلت من عقابه .. وهكذا يجب ان يُعامل المواطنون ، وان كان حديثُهم مع المسؤولين حافلاً بالنقد الشديد ، والتبرم الأكيد ان كلمة صادقه واحدة ، يفتح لها المسؤول قلبه وسمعه ، يمكن لها ان تحدث الانعطاف الكبير في مساره، فيتحول من خندق الى خندق ،ولن يصح في النهاية الاّ الصحيح .
https://telegram.me/buratha