( بقلم : عبدالاله البـلداوي باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية )
3- مفهوم الحرب:شهد مفهوم الحرب تطورات وتبدلات في الأدوات والأساليب، وهو ما انعكس على دلالته نفسه، فبات يشتمل على معانٍ كثيرة، فالتطورات التقنية، والاتساع الجغرافي، ونشوء الأنظمة السياسية الدولية.... كل ذلك ساهم في إرساء تغيرات على مستوى المفاهيم، ومنها الحرب، وعلى مستوى الغايات والنوازع التي تكمن خلف سؤال: لماذا الحرب ؟ومن ناحية أخرى فإن التقنيات الحديثة التي طاولت الفضاء والسلاح أدخلت تغييراً جذرياً على قوانين الحرب ومسيرتها وحسابات الخسائر والمكاسب فيها، وعلى استحقاقات النصر والهزيمة في الحرب، فمع ظهور تطبيقات الثورة الصناعية في مجال الحرب اعتباراً من منتصف القرن التاسع عشر بدأ يبرز تدريجياً مفهوم الحرب الشاملة لتوفر إمكاناتها التقنية، وقد شهد النصف الأول من القرن العشرين اندلاع حربين كونيتين، وتحددت على قاعدة التسلح موازين القوى في العالم، ثم جاء اختراع السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل كي يشكل عاملاً حاسماً جديداً في تحديد موازين القوى هذه، وهو ما شكل ثورة ثانية على المستوى العسكري.
ان في الحرب لا يمكن لأحد السيطرة على أبعاد المعركة، ووضع حدٍّ للخسائر في ظل هذا المسمى بـ القانون الدولي. وكذلك بتنا نشهد مسميات لحروب كثيرة، بل شهدنا وقائع عدد منها، كالحرب الإعلامية، والحرب الباردة، والحرب الاقتصادية، والحرب النفسية.. واللافت أنها كلها تشكل درجات متفاوتة في نطاق فرض السلطة والهيمنة على الآخر للانصياع لمطلب ما، وإن جرت أَدْلَجة هذه المطالب -على اختلافها- تحت مسميات كثيرة (العدالة - الديمقراطية - الإرهاب - تحرير المرأة،...) والهدف من تلك المسميات كلها لإضفاء الشرعية الأخلاقية، أما القانونية فيتم التلاعب بها بمنطق القوة وحسابات المصالح.4- العوامل المساعدة في نشوب الحرب:تتوقف كل حرب على أسباب متنوعة ومتعددة تتفاعل فيما بينها، ولا يمكن اعتبار أي عامل منفرد هو السبب إنما نتيجة التقاء عوامل متعددة، ويوجد عامل أساسي واحد وهو توافر الأسلحة التي ما إن يتم حيازتها حتى يجري استخدامها.إن معظم أسباب الحرب سياسية تقريباًُ، فكل دولة تعنى بمصالحها الخاصة، ويؤدي تضارب المصالح إلى العنف، كما أن لأداء القادة وشخصياتهم دوراً حاسماً في الحرب، ومع ذلك فإن احتمال خوض الدول الديمقراطية الحرب ضد بعضها البعض، أقل من احتمال خوض الدول الاستبدادية لها، لكن إمكانيات الخطر تبقى موجودة رغم ذلك. وقد تشعر مجموعات في دولة ما بالاستياء وتعتبر نفسها مغبونة من السلطة، وتلجأ إلى وسائل عنيفة للحصول على ما تعتبره حقوقاً مشروعة لها، وللدول صلاحية مطلقة في التحكم في الشؤون الداخلية ضمن حدودها الخاصة، ولا يسمح بتدخل الأمم المتحدة أو هيئات خارجية أخرى إلا عندما يكون السلام أو الأمن الدوليين مهددين.وقد تلجأ المجموعات التي تفتقر الى الأموال وتعتبر نفسها محرومة إلى الإرهاب، إذ العنف يولد العنف، ومن هنا يجب التعرف على حافز أعمال الإرهابيين وتصحيح الظلم الذي يشعر به المظلومون حول العالم. كما أن الاختلافات الثقافية بين البلدان وداخلها يمكن أن تشكل أسُساً للحرب، وكثيراً ما ترافق النزاعات اختلافات عرقية ودينية، فالتمييز بين المجموعات داخل الدولة يؤدي إلى مشاعر الخوف والاعتداء، لكن النزاع غالباً يقوم على أسباب اقتصادية، وتستخدم العرقية والثقافة كأساس للتعبئة السياسية.وتعتبر الاختلافات الدينية مظهراً من مظاهر العرقية، لكنها تكون أحياناً وقوداً يغذي مؤسسة الحرب، بالإضافة إلى القضايا الأيديولوجية الأخرى، ونزعة الانتقام الطبيعية نتيجة الأضرار الحاصلة.وهناك احتمال ضعيف أن يؤدي التنافس بين الدول على الأرض إلى حرب كما في الماضي، لكن أسباب النزاع السياسية والاقتصادية ندرة الموارد الطبيعية ما زالت مهمة، واحتمال الإفراط في استخدام الموارد والتدهور البيئي سببان في حدوث النزاع، وبخاصة الخلافات على الموارد المائية.وتلعب العولمة التي تجعل الأحداث الحاصلة في أجزاء مختلفة من العالم مترابطة تدريجياً مع بعضها البعض أكثر فأكثر دوراً في تأجيج الحروب، حيث إنها تعمق الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة، وبين الفقير والغني داخل الدولة، وحيث يرتبط تفاوت الثروات بالاستياء والنزاع.ويعد الفقر وتفاوت الثروة من العوامل المؤدية إلى الحرب، ويمكن أن يجعل التدهور الاقتصادي العنف أكثر احتمالاً، عندما تصبح الموارد أكثر ندرة داخل المجتمع.5- نهاية الحرب:تنتهي الحرب عندما تنهزم ارادة القتال لدى أحد الطرفين المتحاربين، ويقتنع قادة هذا الطرف بأنه لم يعد هناك فائدة من استمرار الحرب، أو ان الاستمرار في الحرب سيكبده خسائر مادية ومعنوية تفوق الربح المنتظر، أو لا يقدر الشعب على احتمالها.
وتأتي هذه القناعة عادة عندما يستطيع أحد الأطراف تدمير القوة العسكرية للطرف الآخر أو تشتيتها أو محاصرتها، كما أنها قد تأتي من جراء احتلال أراضي الطرف الآخر أو تدمير قوته الاقتصادية ومراكز تجمعه.وعندما تنتهي الحرب باستسلام أحد الطرفين، يثبت الوضع الجديد بمعاهدة أو اتفاقية تحدد لكل طرف ما له وما عليه، وتضمن للمنتصر فرض شروطه التي تحقق اهدافه السياسية.ويسود في هذه الحالة السلم الذي لا يخرج عن كونه مرحلة هدوء بين حربين، وتعود السياسة الى استخدام وسائلها الأخرى لتحقيق أغراضها.
وقد تنتهي الحروب المحدودة في الوقت الحاضر وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط من جراء تدخل الأمم المتحدة، أو تدخل دولة كبرى أو أكثر من دولة، أي تدخل دولي وبعض الأحيان تدخل أقليمي وغالباً كليهما معاً، عندما تعجز جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الأسلامي عن ايقافها.تتدخل الدول الكبرى خوفاً على مصالحها في المنطقة، وخصوصاً عندما تشعر هذه الدول ان الحرب سوف تمتد وتتسع الى دول أخرى مما تسبب في تورط دخول دول أخرى في هذه الحرب.السلم في هذه الحالة لا يكون سلم الغالبين ولا سلم المغلوبين، بل هو سلم لا غالب ولا مغلوب كما في الحرب الإيرانية العراقية. اذن كيف ننهي الصراع الدائر في العراق، لماذا لاتتنازل الكتل السياسية المتناحرة الواحدة للأخرى من أجل العراق والعراقيين، ان كانوا يخافون الله واليوم الآخر. أقولها وبكل حرقة ان الكتل السياسية المشتركة في العملية السياسية ساهمت بشكل وبآخر في إيصال العراق الى نقطة اللاعودة.6- نتائج الحرب:للحرب نتائج غالباً ما تكون أهم من الحرب نفسها، وتؤثر هذه النتائج على مجرى حياة الانسان، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية والعلمية، والحرب بسبب كونها صراع دام، وتنافس شديد فيها نتيجتين، إيجابية وسلبية.أ- النتيجة الإيجابية: بما أن للحرب طابع تدميري مدني وعسكري للإنسان والممتلكات إلا أنها تشحذ الهمم وتقوي الحوافز في الأختراعات والأبتكارات وتصنيع ماتحتاجه الماكنة العسكرية في الحرب، ويمكن رد التقدم الهائل في مختلف العلوم التقنية والانسانية بالنسبة الى الدول الى الحرب، فأنظروا الى ألمانيا اين وصلت بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية وكذلك اليابان.ب- النتيجة السلبية: بالرغم من النواحي الإيجابية، فأن للحرب نواحي سلبية عديدة، فهي ذات طابع تدميري للإنسان والممتلكات، مدني وعسكري، حيث تلي الحروب عادة موجات من الاجرام والتعصب والعنف والتطرف وانحطاط في الأخلاق وفساد مالي وإداري وبطالة ومشاكل المهجرين وتراجع لكل القيم التي كانت في المجتمع قبل خوض الدولة الحرب.
https://telegram.me/buratha