بقلم عصام أكرم الفيلي
الزمان :الساعة العاشرة والربع صباحأ من يوم الاثنين 2/4/2012
المكان :بغداد العظيمة - تقاطع العيادة الشعبية – الصليخ
فجأة .. نسيت ازعاج الزحام الشديد .. نسيت كل همومي .. وانتابتني نشوة رائعة نسيت معها تعب ساعات السفر الطويلة .. احسست بالزهو والفخار وتذكرت المقولة الرائعة التي نرددها حين تضيق بنا السبل .. (ارفع رأسك انت عراقي ) .. بالفعل يكفينا فخراً اننا عراقيون .. اخرجت جهاز الموبايل بسرعة البرق لأوثق حالة ايجابية تستحق الوقوف عندها .. وتستحق التكريم من اعلى المستويات في الدولة العراقية .
كنا عائدين من احدى المحافظات .. توقفنا في الاشارة الضوئية قادمين من منطقة الشعب باتجاه حي القاهرة .. بيننا وبين تقاطع الصليخ ( تقاطع العيادة الشعبية ) ثلاث سيارات .. في التقاطع رأيت الكثير من الحصى منتشراً على اسفلت الشارع .. يبدو انه تساقط من احدى الشاحنات التي مرت قبلنا من هذا الطريق .. خطير جداً هذا الحصى حين تضغطه عجلات المركبات المارة في الطريق .. فتقذفه ليستحيل كما الرصاص فيفقأ عين هذا الانسان أو ذاك ..ليكسر زجاج هذه السيارة أو تلك .
همست مع نفسي اين انت ايها العراقي لتزيل هذا الاذى عن الطريق .. لابد ان تأتي فانا واثق من غيرة العراقي .. ولم يخب ظني .. فقد رأيته .. الله الله كم كان رائعاً بقميصه الناصع البياض كما قلبه .. رأيت شرطي المرور المكلف باداء عمله في هذا التقاطع .. بعد ان ادى واجبه في فتح الطريق لسير المركبات في احد اتجاهات التقاطع .. احنى قامته العراقية البهية وهو يحمل مكنسة لا ادري ان كان استعارها من احد المحلات أم اشتراها مقتطعاً ثمنها من قوت عياله في هذا الزمن الصعب .. رغم انه احنى قامته وهو يكنس الشارع الا انني رأيته جبلاً شامخاً .. رأيته نخلة عراقية باسقة .. رأيت فيه العراق .. كل العراق .. كان يؤدي واجبه باليمين ويحمل المكنسة باليسار .. لفت نظري الغيرة والهمة والسرعة التي يكنس بها الشارع ليزيل الحصى المنتشر بل ليزيل عن عراقي ما اي نوع من الأذى قد يلحق به .. وصعقتني المفاجأة الاكبر حين استدار هذا الرجل واذا بالشيب يملأ رأسه .. كم انت عظيم ايها العراقي.. حين رآني التقط له صورة فتح ذراعيه ملىء السماء فاستحالا دجلة والفرات .
التقت نظراتنا فدمعت عيناي كما دمعت عينا الرجل الستيني .. كانت حالة وجدانية تعجز الكلمات عن وصفها .. وددت النزول من السيارة لأقبل يد هذا العملاق لولا خشيتي من تعطيل السير .. فقلت له بأسم كل العراق انا اشكرك .. وسألته على عجالة هل لي ايها الرجل القدوة ان اتعرف اليك لأتشرف بالكتابة عنك .. فأجابني الباج المعلق على صدره قائلاً انه مفوض المرور عبد المنعم علي حسين من منتسبي قاطع مرور الاعظمية .. ارتبكت حين لم اجد ورقة في جيوبي .. يا الهي اين اكتب اسم هذا الرجل كي لا انساه .. فناولني ورقة وعاد ليكنس الشارع وهو يودعني بابتسامة واسعة كبيرة بحجم العراق . وها انا قد تشرفت بالكتابة عنه .. فكانت هذه السطور .. وكانت هذه الصورة التوثيقية ...
https://telegram.me/buratha