الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
لست سياسيا لأتناول المواقف التي مرت على المجتمع العراقي من الوجهة السياسية بصورة تفصيلية كما يكتب السياسيون عن مرحلة معينة, بل اكتب ما يمليه عليّ الواجب الإنساني والأخلاقي في مرحلة الثمانينات من القرن العشرين , وتحديدا في مركز القيادة الروحية للطائفة الشيعية في العالم الإسلامي{ النجف الأشرف} المدينة التي تحملت ثقل الحوادث المؤلمة والقرارات الماروثونية الطويلة للفصائل الحزبية والاستخبارية والمخابراتية,كنا في النجف يومها نشعر بالغربة والخوف في وطن نحمل وثائق تقول إننا عراقيون , في الوقت ذاته نخاف من نظرة رجل ذو شوارب مفتولة يقف في الباب الداخلي لمرقد الإمام علي {ع} يوزع النظرات الحاقدة المراقبية على الزوار, لكننا نكابر نزور ونصلي ,هو موقف نقنع أنفسنا وقتها إننا نعمل ضد السلطة وثانيا عبادة روحية بجوار سيد الأوصياء وأبو الأئمة عليهم السلام .... العقل الجمعي وحضور أخوتنا في أماكن العبادة إضافة إلى زخم الزوار حقق غايات يتمناها كل مخلص يريد الخير للأمة والمذهب والفكاك من الطاغية وزبانيته, غير إن محور المرحلة كان السيد الخوئي بلا جدال, كان يقف كالطود الشامخ بوجه المخططات التي تحوكها السلطة لإذابة المرجعية الدينية وإنهاء الدراسات الحوزوية الشيعية في العراق وغلق المدارس وحلقات الدرس في النجف , كما فعلت ونجحت في كربلاء والكاظمية والكرادة والبصرة والحلة وغيرها,لم يبقى في هذه الأماكن حلقة دراسية واحدة قط , أصبح مرقد الإمامين الكاظمين{ع} في بغداد ومرقدي الحسين والعباس عليهما السلام في كربلاء مجرد عتبات مقدسة للزيارة , ناهيك عن رفع المنابر الحسينية من جميع العتبات المقدسة في العراق, وكأن منبر الحسين قنبلة نووية تنفجر في مقرات حزب البعث , وهي فعلا في موقفه من الظالمين , هنا ظهرت حقيقة السيد الخوئي {قدسره} وقدرته وإمكانياته في الوقوف ضد المخططات الكارثية , وقيادته لطائفة بلا قيادة ولا صوت يعلو على صوت صدام وحزب البعث في جسد امة نخرها الظلم والحزبية والجهل والطمع وحب الذات , مرحلة لا يصفها قلم ولا كلام أديب ولا شاعر , لان الكلمة لا تحمل في ذبذباتها خوفا من مراقبة شيخِ ينتمي للحوزة وهو عميل للأمن, أو امرأة متسولة ترفع التقارير إلى دائرة امن المنطقة التي تتسول فيها, وانقل لك حالة واحدة نقلها سائق تاكسي من أهالي البصرة يشتغل في النجف فترة الحرب العراقية الإيرانية يقول: ركب معي الشيخ البعثي احمد الساري , احد المعممين المخصصين من الأمن للصلاة على جنائز {الشهداء. القتلى} الذين تصل جثثهم صحن الإمام{ع} وكان مسرعا ,طلب أن انقله للشعبة الخامسة . المخابرات في النجف, فقلت باستغراب : وأين الشعبة الخامسة بالنجف..؟ قال قرب دائرة مرور النجف, سألته مازحا ( لويش أنت مستعجل.؟ أجاب متكبرا بشكل يوحي انه مسؤول امني في الصحن, اكو واحد مطلوب للمخابرات وهو من عناصر حزب الدعوة) ,نبحث عنه وهو الآن يزور الإمام , اختلق السائق عطلات ليؤخر سماحة الشيخ البعثي المبجل , وفعلا لم يتمكنوا من القبض عليه.... هذه صورة من قطرة بحر الظلم الصدامي للشيعة وقيادتهم, هذا ليس شيخا بمفرده , فباعة الأشرطة والترب الحسينية في ليوان أبواب الإمام وباعة السبح والمزورجية كلهم بلا جدال وكلاء للآمن... اذكر يوما في زيارة عيد الأضحى المبارك , كنا ننتظر السيد في باب جامع الخضراء , حين وصل بسيارته المرسيدس ذات رقم (2نجف) تدافع الناس بشكل كبير جداً,تجمهروا ليحضون بنظرة لوجه السيد الخوئي كما يحدث دائما ... كان شخص اسمه {حيدر أحول العين} يبيع جريدتي الثورة والجمهورية ومجلة ألف باء تسترا على وظيفته, وهو من الوكلاء المعروفين , في ذاك التدافع والصلوات على محمد وال محمد , ارتفع صوت حيدر اللعين( لا خوئي بعد اليوم) تراجعت قليلا حتى وصلت إلى جواره , رفعت صوتي بالصلاة على محمد وال محمد ولكزته بعكس يدي وقعت الضربة على أرنبة انفه , فانفجر الدم منه كالميزاب وتفرقنا عنه هربا من المشكلة, وقتها ذهبت للبيت ولم أصلي جماعة .. كان شخص اسمه حامد من أهالي الفاو مواظبا على الصلاة في جامع الخضراء, انقطع تماما ولم أراه , بعد وفاة السيد ورجوعي للبصرة تعرضت إلى مشكلة أمنية هربت إلى إيران سباحة من شط العرب , هناك في عبادان التقيت مع حامد , بعد تجاذب الحديث سألته عن سبب اختفائه .؟ قال: أنا كنت انقل رسائل وصحف وبريد شفوي بين السيد الخوئي والقيادة الإيرانية, سألته هل تقصد السيد الخميني ..؟ ضحك ولم يجيب على سؤالي , ثم قال تم إلقاء القبض علي من وحدة عسكرية في قرية همايون في القرنة , في اليوم الثاني نقلت إلى مديرية الاستخبارات العسكرية في بغداد , اعترفت لان الأدلة أصبحت بيدهم, قال لي المسؤول عن التحقيق, سوف نطلق سراحك بشرط تعاونك معنا , قلت وكيف أتعاون معكم , قالوا نؤمن لك طريق العبور والعودة بشرط أن نصور البريد ونستنسخه قبل إرساله إلى النجف وإيران , وافقت لغاية في نفسي , وتم أطلاق سراحي ونقلوني إلى النجف بسيارتهم, حين التقيت مع السيد أخبرته بكل شيء , سألني ماذا ستعمل.؟ قلت: إذا ذهبت إلى إيران لن ارجع ما دام البعثيون في السلطة, ربت السيد على كتفي وقال : ليحرسك الله يا ولدي.. ولما جئت إلى إيران أخبرت المسئولين هنا , ثم نقلوا عائلتي بعدي مباشرة... هذا غيض من فيض للمرحلة العسيرة التي عاشتها الأمة , وكان السيد الخوئي رجلها المبجل , والجبل الأشم الذي وقف بوجه الأعاصير الطائفية المقرونة بسلطة البعثيين ومساعدة خونة الأمة ......
https://telegram.me/buratha