بقلم رئيس تحرير السفير اللبنانية طلال سلمان:
خلعت بغداد ثياب الأرملة وتزينت بجراحها جميعاً، تلك التي تسبب فيها الطغيان أو تلك التي ألحقها بها الاحتلال الأميركي، لاستقبال الأشقاء العرب العائدين إليها بعد غياب طال أكثر مما يجب وتغييب لها استطال أكثر مما يجوز.
لكن الذين تآمروا على العراق دهراً وحاولوا إشغاله بالفتنة ليسدوا أمام شعبه كل الطرق للعودة إلى موقعه الطبيعي في أحضان أمته، عاملاً من أجل تقدمها ورفعتها، غيبوا أنفسهم بذريعة الأمن، لأن عودة العراق تعيدهم إلى أحجامهم الطبيعية.
.. وشتان ما بين العراق وبين الدول التي استُنبتت على عجل، في قلب صحراء الذهب فحرفت التاريخ وزورت الجغرافياوخربت احتمال النهوض العربي وأقامت حاجزاً بينها وبين فلسطين حتى لا يحرجها أحد بمواجهة العدو الإسرائيلي.
الذين خرجوا من عروبتهم وعليها، لم يتورعوا عن اتهام العراق في عروبته بذريعة أنه بات خاضعاً لإيران... وهم هم الذين نفخوا في غرور صدام حسين ووظفوه لكي يقاتلوا بجيش العراق حرباً لا منتصر فيها بين بلدين جارين وصديقين تجمعهما المصالح ووحدة الدين، ثم لما أنجز المهمة صرفوه من الخدمة من دون تعويض... فكان أن انتقم منهم، على طريقته الفذة، بغزو الكويت ملحقاً بالأمة جميعاً كارثة تفوق بتأثيراتها المدمرة الهزيمة في فلسطين أمام العدو الإسرائيلي، موفراً الذريعة لتثبيت الهيمنة الأميركية، وإسرائيل من ضمنها، على المنطقة جميعاً.. بعد اغتيال العراق.
تزينت بغداد بجراحها لاستقبال «قمة من دون جمهور» وفي قلبها غصة لتغييب سوريا، وهي توأم العراق في تأسيس الجامعة العربية التي تعقد القمة تحت شعاراتها... مع أن ذلك لن يمنعها من بذل الجهد في محاولة تصحيح الخطأ التاريخي الذي أوقعت فيه الجامعة عمداً فعاقبت نفسها ودورها وتاريخها من دون أن توقف بحر الدم الذي فجرته أخطاء السلطة في سوريا.. وكل ما فعلته أنها استقالت من وظيفتها تاركة للمستجدين على عالم السياسة أن يحلوا مجلس الأمن الدولي مكانها، لتكون «نكبة» عربية جديدة.
تزينت بغداد بجراحها وهي تستقبل إخوتها العائدين إليها، وفيهم من جاءت بهم الانتفاضات الشعبية الذين لا يعرفون ما يكفي، ولا يملكون من أسباب القوة ما يجعل حضورهم قوياً وفاعلاً، بحيث يمكنهم اتخاذ القرار في ما لا بد من القرار فيه.
... وتستقبل الذين غيبوا أنفسهم وأرسلوا من يظهر في الصورة مع أنه لا يملك أن يقرر، لأنهم خائفون من أن تمتد إليهم الانتفاضات في قصورهم، متذرعين بأن بغداد غير آمنة، أو أن قرارها ليس في يدها، وأن الحكم فيها ليس ديموقراطياً تماماً كأنهم هم وصلوا إلى مواقعهم السامية بانتخابات تمثل نموذجاً للديموقراطية وذروة في احترام كرامة الإنسان... يمكن القول، والحال هذه، إن غيابهم إدانة لهم أكثر مما هو عقوبة للعراق.
إنهم يخافون من عودة الروح إلى العراق... خصوصاً أنهم لا يستطيعون شراءه بـ«دنانيرهم»: إنهم يريدون إشعار العراق بأنه ما يزال تحت الامتحان، فإن خضع لهم والتحق بهم ذليلاً مهاناً قبلوه في موقع التابع.
بقي أن يفيد أهل الحكم في بغداد من وهج الإنجاز بعودة العراق إلى العرب وعودة العرب إلى العراق، كما قال رئيس الحكومة نوري المالكي في «السفير» أمس، فيحاولوا التخفف من خلافاتهم الداخلية التي تتهدد العراق في وحدة شعبه وفي قوة دولته وفي دوره الذي لا يعوّض داخل نضالات أمته من أجل أن تستعيد روحها وزخمها وحقها في مستقبل يليق بكرامة شعوبها.
والقمة في أن يعود العراق إلى موقعه في آمال شعبه وأحلام أشقائه العرب.
https://telegram.me/buratha