قاسم العجرش
قلما قرأت كتابا وأشفقت على كاتبه، مثلما أشفقت على الأستاذ القاضي قاسم العبودي وأنا أقرأ كتابه الموسوم"تأثير النظم الأنتخابية في النظام السياسي " ، فمنذ الفصل الأول من الكتاب، تكون لدي انطباع مؤداه أن قدمي الكاتب قد أدميتا وفي طريقه لإنجاز الكتاب، فقد كان يسير في حقل شوك معمر، في الفصل الثاني تغير الانطباع إلى ما هو أسوأ، فتخيلته مبتور الساقين وهو جالس وسط ركام خلفته الألغام المتفجرة في هذا الفصل، وهكذا إلى أن أنهيت الفصل الأخير، كانت الحسبة تشير إلى أن الكاتب كان مقطع الأوصال، لكنه بالمقابل قد أنهى لنا سفرا في ميدان معرفي لم يلجه أحد قبله، وإذا حصل وأن قاربه غيره، فإن مقاربات الآخرين كانت مقاربات وليست ولوجا إلى عمق المعضلة التي سببها "ولوجنا" في عملية لم يسبق لنا ولوجها من قبل ، على الأقل منذ آخر "كاروم" في عهد الملوك البابليين، {الكاروم هو أسم مجلس العموم العراقي في العراق القديم عندما كان أسمه بلاد ما بين النهرين أو ميزوبوتيميا}!!..ولأنه كان يتعين على القاضي العبودي أن لا يقدم رؤية منحازة لأي من النظم الانتخابية التي عرضها في كتابه، حتى لا يغضب الأشواك السياسية التي نمت مع نمو العملية السياسية، فإنه قدم عرضا فائق المهنية بحرفنة ومهارة عالية أحسده عليها، وكم كنت أتمنى أن أستطيع سلوك هذا المنهج الاحترافي في كتاباتي، لكني مصاب "بلوثة" إعلاني الدائم إنحيازي المطلق إلى قناعاتي، الأمر الذي لم ألحظه لدى العبودي في كتابه من ألفه إلى ياءه.. فكتاب العبودي كان انحيازا كاملا إلى قناعاتنا جميعا فهو كتاب بلا أنتماء سياسي وإن كان يقطر تنظيرا لكيفية تعامل السياسة مع إحدى تطبيقاتها، وأعني بها العملية الأنتخابية ونظمها، تنظيرا يعرض المصاعب التي واجهتها العملية الأنتخابية، كما يعرض سبل مواجهتها من زوايا متعددة، وتتذكرون أن معظمنا ذهب إلى صناديق الأقترع ليغمس أصبعه في دواة الحبر البنفسجي لنعبر عن اختياراتنا، إلا العبودي فقد تخيلته أنه كان يغمس قلمه في تينك الدوات جميعا ليكتب نهاية الفصل لقناعاتنا، تمحيصا وتحليلا وتصويبا ورسما لخارطة طرق وليس طريق واحد عرضها أمامنا، تاركا لنا حرية سلوك أي منها وإن كنت قد توصلت إلى الطريق الذي يريده بوضوح شديد لم يشأ أن يفصح عنه، وترك الإفصاح عنه لحصافة القاريء الحصيف..كتاب العبودي "مسلة" في أحدى أدوات بناء الديمقراطية، يتعين أن يقرأ موادها المهتمين بالديمقراطية...
كلام قبل السلام: خرجت من الكتاب بفكرة أنه أما أن نكون دودة قز جديدة تنسج حريرها بنفسها، أو أن نكون صدفة بحرية فارغة عصف بها الموج وألقاها على الشاطئ..!
سلام ...
https://telegram.me/buratha