عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
أهمية الصحف والأعلام في القرانلا شك ان الصحف والمجلات تعتبر اليوم أهم وسائل طرح الآراء والتعليم في العالم , انتشرت بفضل التقدم الصناعي , ولذا فهي عامل مهم في {تهذيب الأفكار أو تخريبها وتضليلها} ، ربما تصل أعداد إحدى المطبوعات إلى ملايين النسخ توزع في قارات العالم تؤثر في توجيه أفكار المجتمعات البشرية نحو قضية معينة , ولا شك أن دور الصحف والمجلات لم يكن واسعاً ومؤثراً قديما كما هو اليوم ولكن للكتاب والمكتبات أثر بالغ في التربية والتعليم وانتقال العلوم من جيل إلى جيل , بعد هذه الإشارة السريعة نعود إلى القران الكريم للتأمل في الأهمية التي أولاها للكتاب والكتابة والتي كانت مصدرا مهما في نقل فكر المسلمين بين الأجيال وتعرض القران لهذا الموضوع , منها: (نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) (القلم:1) وقوله تعالى(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) (العلق:4) ثم تضمنت التعليمات مبدأ آخر عندما تتعلق القضية بالحقوق والمصالح الخاصة والعامة)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ ) البقرة 282 0ويستعمل القران في بعض الآيات صيغة القسم للتأكيد على أهمية الموضوع الذي يراد بيانه , والقسم أحيانا يكون بالذات الإلهية , وأحيانا بالموجودات كالشمس والقمر والأرض والسماء وأمثال ذلك في الآية الأولى التي ذكرناها [ ن والقلم وما يسطرون] هي أول آية من سورة القلم ، يقسم عز وجل بالقلم وكل ما يكتبه القلم , وهو المقسوم به وان كان قطعة من الخشب بسيطة او شيء بسيط من السوائل الملونة التي تنتج أسطر من الصفحات المتواضعة , إلا انه في الواقع أساس في ظهور الحضارات الإنسانية وتقدم العلوم والمعارف ويقظة الفكر وتصوير الأديان بصورتها الحقيقية ومصدر التعليم والهداية للبشرية ....من هنا يُقسّم العلماء حياة الإنسان إلى دورين هما ( مرحلة ما قبل التاريخ ومرحلة ما بعد التاريخ) يقولون إن مرحلة ما بعد التاريخ تبدأ من حين اختراع الكتابة حين تمكن الإنسان أن يمسك القلم بيده ويكتب أحداث حياته على صفحات الجلد والشجر , أما قبل ذلك فيسمى مرحلة ما قبل التاريخ.......ولا ننسى إن هذه الآيات نزلت في محيط جاهلي حيث لم يكن هناك من يهتم بالقراءة والكتابة ، ولم يصل عدد الذين كانوا يقرؤون ويكتبون أكثر من عشرين شخصا وفي الحجاز أفضل منطقة اقتصادية , فالقسم بالقلم في مثل هذا المحيط له من الجلالة الكبيرة , ومن فلسفة القران في القسم أن يحفز المسلمين على التأمل في الأمور المقسوم بها , وفي هذا صار سبباً في اتساع القراءة والكتابة والتأليف والترجمة وانتشار العلوم الإسلامية , يتبين إن الأمر الإلهي في مثل هذه القضية المهمة ونزول الرسالة الخاتمية وتأكيد الربوبية هو وصف التعلم بواسطة القلم وهو منبع تعليم من [ لا يعلم ] من هنا بدأ الوحي ومعه نشأت بداية الأعلام والحركة العلمية ، هذه العبارات حفزت المسلمين بالاهتمام بالكتاب والمكتبات وتعلم المعارف ، وجاءت الأحاديث لتعطي قيمة كبيرة للقلم والكتابة والفكر فصار [ مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء حيث إن ابتناء فكرة الشهداء وبذل دمائهم متأتية من مداد وأقلام العلماء , وتفاهم الناس فيما بينهم وانتقال الأفكار ينحصر في طريقين هما [ البيان والقلم ] مع تفاوت بينهما وهو إن البيان وسيلة الارتباط بين أهل الحاضر والقلم وسيلة الارتباط بين الأجيال والعصور وفي الأمكنة المختلفة , فهو يرتبط بالناس والذين ينهلون العلم مع ما لهم من بعد القرون , ولذلك يقول أحد العلماء ( بيان اللسان تدرسه الأعوام وما تثبته الأقلام باق على مر الأيام ) وفي باب ذم أولئك الذين يخالفون الآيات الإلهية ويحاججهم ويطالبهم بالمبررات المنطقية فيقول عز وجل(وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) (سـبأ:44) وبالرغم إن المراد من الكتب هي الكتب السماوية ولكنما ذكر من موضوع الكتاب ودراسته وتعلمه إلى جانب إرسال الأنبياء ,هذا يكفي لمعرفة الكتاب والصحف في الآسلام ونظير هذا المعنى نجده في سورة القلم في إشارة مؤاخذة وذم منكري الإسلام , يقول تعالى (أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ) (القلم:37) , وهذه إشارة إلى إن الكتاب يكون في عدة موارد سنداً معتبراً يستند إليه في الاحتجاج... والحقيقة ان اعتماد القران المجيد على مسألة الكتاب والكتابة في مورد الكتب السماوية للأنبياء سواء في أمور الدنيا أو في صحيفة الأعمال والمحكمة الإلهية كلها تبين أهمية هذا الموضوع من وجهة نظر القران،أما في الروايات والأحاديث النبوية وللمعصومين [ع] فيما يخص الكتاب والكتابة , فقد ورد في حديث النبي [ص] انه قال قيدوا العلم ) فقيل يا رسول الله وما تقييده ، قال كتابته, وفي حديث أخر عنه ( اكتبوا العلم قبل ذهاب العلماء وإنما ذهاب العلم بموت العلماء ) يقول الرسول [ص] في حديث شريف يبين أهمية الكتاب بطراز محير للعقول( ثلاث تخرق الحجب , وتنتهي إلى ما بين يدي الله, صرير أقلام العلماء , ووطء أقدام المجاهدين ، وصوت مغازل المحصنات) في حقيقة الآمر كل واحد من هذه الأصوات الثلاثة خفي في الظاهر إلا انه في باطنه واقع جوهري وكل واحد إشارة إلى إحدى المسائل الأساسية في المجتمعات البشرية فالعلم والكتابة والجهاد والشهادة والسعي والعمل ، ونختم مقالنا برواية عن رسول الله [ص] تكشف الستار عن أهمية بقاء الآثار العلمية بواسطة الكتابة وتدعو العلماء وتحفزهم وتشدهم إلى ذلك يقول [ص] ( المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم , تكون تلك الورقة يوم القيامة ستراً فيما بينه وبين النار وأعطاه الله تبارك وتعالى بكل حرف مكتوب عليها مدينة أوسع من الدنيا )يقول أمير المؤمنين[ع] في حديث رائع ومختصر [ الكتب بساتين العلماء] ولكل بستان هواء لطيف ومنظر خلاب وفيه أنواع من الثمار والفواكه التي يرغبها الناس او الورود والأعشاب الطبية , والحقيقة فلكل كتاب طعم وآثار...قال الإمام الصادق [ع] لأحد أصحابه( اكتب وبث علمك في أخوتك فان مت فورث كتبك بنيك فأنه يأتي على الناس زمان هرج ما يأنسون فيه إلا بكتبهم ) وفي حديث آخر عنه ( منّ الله على الناس برهم وفاجرهم بالكتاب والحساب ولولا ذلك لتغالطوا ) يتضح مما أوردناه إن المسلمين في القرون الأولى لظهور الإسلام لما توجهوا للعلوم والفنون والمعارف وأوجدوا نهضة علمية واسعة عمت بركاتها وثمارها العالم الشرقي والغربي فان جذور ذلك موجود في الثقافة التي علمهم وحثهم عليها الإسلام , والأحاديث والأدبيات تؤكد على أهمية التدوين وفضيلة العالم على غيره , الإسلام جزء منه الكتابة والتدوين والنشر ليتنعم الجميع بنعمة القراءة والكتابة , وآي تقصير فان اللوم يقع على المقصر سواء من القارئ الذي إذا لم يقرأ سيظل أميا أو العالم الذي لا ينشر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وهنا نواجه موقفين بارزين في النظرية الإسلامية , الأولى تشجع وتدعم العلماء والكتابة وتعطي الأهمية القصوى للعلماء , والثانية تقف بشكل متشدد ضد العالم الذي يحتكر علمه ويجعله خاصاً به ويحجبه عن الجمهور وهذا شجع العلماء والكتاب على نشر وبث العلم والإبداعات والابتكارات العلمية ، ومن اجلها كرم الإسلام العلماء والكتاب والقلم .. الشيخ
https://telegram.me/buratha