السيد حسين هادي الصدر
حياة العاملين في القطاع الوظيفي لا تجري على وتيرة واحدة لاتتغير ولا تتبدل ، وانما تتعرض في بعض الأحايين الى اهتزازات شديدة ، تؤدي الى فقدان بعضهم وظائفهم على حين غرّه ، ومع فقدانهم لوظائفهم تبدأ مشكلات الحصول على الدخل الكافي لنفقاتهم الشخصية والعائليه وفي الغالب يعاني هؤلاء من مصاعب جمّه ، وهم يحاولون تأمين الموارد المتناسبه مع حجم انفاقاتهم ...ان من أبرز الأمثله على ذلك ، الأوضاع الصعبة التي عاناها أبناء القوات المسلحة العراقية ، بعد ان اصدر الحاكم المدني الامريكي ( بريمر ) قراره الخاطئ بحل الجيش والمؤسسات الأمنيه العراقيه ولا نذيع سراً اذا قلنا :انّ اعداداً كبيرة من اولئك ، شقّت طريقها للأنضمام الى أوكار الأرهاب والتخريب ،بعد ان تُركْت بالعراء ، وأُهمل وضعها بالكامل لقد كان الصحيح تطهير القوات المسلحة العراقية من العناصر الخبيثه فقط، لا الأجهاز عليها بالكامل ...!!!وحين ثبت بالدليل خطورة إهمال أوضاع اولئك المنتسبين للقوات المسلحة المنحله ، بدأ التحرّك بمشاريع إنصافهم واستيعاب من يمكن أستيعابه منهم وان جاءتْ متأخرة كثيراً والمهم هنا ان نؤكد على ان الاستغناء عن خدمات العاملين في قطاع معيّن ، من دون ترتيب أوضاعهم المعيشيه ، يشكّل ثغرة كبيرة في جدار الاستقرار الاجتماعي ، وقد يدفع ببعض اولئك الى مسارب خطيره تعود على الوطن والمواطنين بمردودات سلبيه كثيرة ..!!ومن هنا أيضاً نشير الى خطورة تفاقم البطالة ، وتزايد أعداد العاطلين عن العمل ، لان ذلك يعرّضهم لأحتمالات الوقوع في شباك المتصيدين في الماء العكر، وزجّهم في مسارات محمومه ، شديدة الأخطار والإضرار بالوطن والمواطنين ....ومن الجميل ان ننقل في هذا السياق ، قصة وقعت فصولها في القرن الرابع الهجري ،وتحديداً في خلافة القادر بالله ( احمد بن اسحق ) التي امتدت من سنة 381 هجرية - 422 هجرية ،جاء في القصه :{ بينما القادر يمشي في أسواق بغداد اذ سمع شخصاً يقول لأخر :قد طالت علينا دولة هذا الشؤم ، وليس لأحد عنده نصيب }سمع ( القادر ) بأذنيه الشكوى والتذمر،سمع ما يجب ان يسمعه الحكّام من مواطنيهم ، ليتاح لهم معرفة الواقع الاجتماعي بكل تضاريسه ومفرداته ولا شئ اثمن من معرفة الحاكم بنبض الشارع ، وتحركه السريع لعلاج الأخطاء وتصحيحها والقادر هنا ، لم ينطلق من واقع الغطرسه والتجبر، فيصدر الأوامر بالقاء القبض على هذا المواطن المتململ الناقم ، وانما :( أمر خادماً كان معه ان يتوكل به ، ويحضره بين يديه )انه تصدّى للوقوف على المشكلة ،بكل تفاصيلها وهذه صفة حسنه يُحمد عليها ،وحين حضر الرجل بين يديه ( سأله عن صنعته ؟ ، فقال :أني كنت من السُعاة ، الذين يستعينُ بهم أرباب هذا الأمر على معرفة أحوال الناس ) ان وظيفته كانت جمع الاخبار ، وكتابة التقارير عن أوضاع البلاد والعباد انه كان تحديداً من رجال الأمن والمخابرات ثم قال الرجل للقادر :" فمذ ولي أمير المؤمنين ، أقصانا ، وأظهر الاستغناء عنا ، فتعاطلت معيشتنا ، وانكسر جاهنا عند الناس "وهكذا عبّر عن مرارة عزله واقصائه ، وما نجم عن ذلك من تداعيات ، مسّتْ معيشته وجاهه وهنا سأله القادر قائلاً :" أتعرف مَنْ في بغداد من السعاة ؟ :قال :نعم فأحضر كاتباً فكتب اسماءهم ، وأمر بأحضارهم "لم يُبقِ القادر المشكلة عالقةً دون حلّ ، كما انه لم يرد للحلّ ان يكون جزئياً يتعلق بالرجل وحده ، وأنما أراده حلاً شاملاً لكل أولئك الذين تم اقصاؤهم وهكذا كان " ثم انه أجرى لكل واحد منهم معلوماً ) اي ان القادر ، عيّن لكل واحد منهم راتباً ( ونفاهم الى الثغور القاصيه ، ورتبهم هناك عيوناً على أعداء الدين )وهذا اجراء حازم سليم لقد حوّل مهمتهم من رصد الأنفاس ، والإخبار عن أوضاع الناس ،الى مهمة مراقبه أعداء الله والشعب والوطن في المدن البعيدة ، وايصال الأخبار الى المركز ثم علّل هذا الإجراء بانْ التفتَ الى مَنْ حوله وقال :" اعلموا ان أولئك ، ركبّ الله فيهم شراً ، وملأ صدورهم حقداً على العالم، ولابُدَّ لهم من إفراغ ذلك الشر ، فالأولى ان يكون ذلك في أعداء الدين ، ولا ننغّص بهم على المسلمين ) ان الحاكم الذي يبذل جهده في تأمين الدعة والسلامة والراحة لمواطنيه ، والنأي عن تنغيصهم لابُدَّ ان يقدّر ،وان كان ذلك من صلب واجباته ....وان احترام المسلمين ،والتورع عن تسليط الأشرار عليهم ، انما يكشف عن روح مشبعة بالانسانيه أما اليقظه والحذر من الأعداء ،فواجبان ،لا يُقبل من أحد التفريط فيهما .
https://telegram.me/buratha