السيد حسين هادي الصدر
-1-في آفاق أُمتّنا المجيدة ، التمعتْ شخصيّاتٌ فذّة جَمَعتْ في مسارها حُزَماً باهرة من الافعال والاقوال ، صعدتْ بها الى مستوى القمم السامقه ، وبّوأتها مناقبيتُها الفريدة مكانةً رفيعة ، تنحني أمام عظماتها الأجيال .ان دخول التاريخ من أوسع بواباته ،لا يكون بفعل الصُدف العابره ، ولن يتاح الاّ للكبار الذين يتحولّون الى مشاريع انسانيه ضخمة ،بما كابدوا من أجل الحق والعدل والخير والسلام والصالحّ العام .ان الذاتيه ، والنرجسيه ، والأنانيه ، ليست الاّ جراثيم فتّاكه ، تقضم أصحابها ، وتدخلهم في القوائم السوداء ، فلا يَنْتَطِحُ في شأنهم عَنْزان..!!ان العظماء هم أصحاب الأفق الأرحب / والصدر الأوسع ، والعقل الكبير، والصبر المرير ، والقدرة على مواجهة الصعاب والمشكلات ، دون ان يتسرب اليهم الخوف والضعف ، ودون ان يعتريهم أي ضرب من ضروب اليأس والاحباط ،مهما كانت الظروف حالكة شائكة .انهم الرجال الصاعدون الخالدون وكما قال الشاعر ليس كلُّ الرجال تدعى رجالا هكذا هكذا والاّ فلا لا -2-ومن الشخصيات الرائده ، التي حظيت بمكانة متميّزه في تاريخنا ، مالك بن الحارث الأشتر ، رجل العقيدة ، وصاحب المواقف الباسله في الذبّ عن الدين ، والبطل الشجاع الذي تضرب به الأمثال .ويكفيه فخراً أنه الذي تقلّد الوسام العلوي الفريد ،حيث قال عنه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام حين سئل عنه :( كان الاشتر لي كما كنتُ لرسول الله (ص) )ونحن نعلم ان علياً (ع) كان من الرسول (ص) كما كان هارون من موسى طبقاً للحديث النبوي الشريف ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيّ بعدي ) واي منزلة أعظم من هذه المنزله ؟-3-لقد كتب مالك بن الاشتر (رض) أنصع الصفحات في سلوكه ، وتعاملاته الحياتيه ، تلك الصفحات الموّاره بعبير الخلق الكريم ،والأصالة ،والترفع عن الثأر للذات ، والمحبة والتسامح والبعد عن ايقاع الاذى حتى بمن أساء اليه ،ومن ذلك قصته الشهيره بالكوفه يوم اجتاز سوقها ، بملابسه المتواضعة ، فرآه بعض الجهّال ، فأزرى بزيه ، ورماه ببندقه تهاوناً به ، فلم يُعره الاشتر اهتماماً ومضى ولم يلتفت اليه ..!!ثم ان هذا الجاهل المُزري بمالك سئل :ويلك أتعرف لمن رميتَ ؟فقال :لا فقيل له :هذا مالك صاحب أمير المؤمنين ، فارتعد الرجل ، ومضى اليه ليعتذر اليه وقد دخل مسجداً وقام فيه للصلاة ، فلما فرغ من صلاته ، انكبّ الرجل على قدميه يقبلهما ،فقال له :ماهذا الامر ؟فقال :أعتذر اليك مما صنعتُفقال مالك :" لابأس عليك ، فوالله ما دخلتُ المسجد الاّ لاستغفرن لك "وهنا لابد من وقفة عند ثلاث محطات الاولى :ان مالك الاشتر لم يكن من المترفين المتأنقين في ملبسهم ، انه كان متواضعاً حتى في ملبسه، مواساةً للفقراء والضعفاء ،وإلاّ فهو من أقدر الناس على اصطناع المظهر الفخم والمظاهر البرّقه إنّ كِبرَ نفسه ، لم يسمح له باي لون من ألوان التميّز على اخوانه البائسين المستضعفين وهنا تكن العظمه .ان الانسان بجوهره وليس بمظهره وليت رموز السلطة ورجالها اليوم ، يمعنون النظر في مثل هذه المواقف الشريفة لمالك ، ليبتعدوا قليلاً عما يحيطون به انفسهم من مظاهر الترف والبذخ والاستعلاء ليتهم يفكرّون في مواساة البائسين والمستضعفين .الثانيه :ان الاشتر (رض) لم يكتف بعدم الردّ على الاساءه ، وانما قابلها بالاحسان انه ذهب الى المسجد ،ووقف بين يدىْ ربه ، يصلي بخشوع ، مستغفراً لمن أساء اليه ..!!وتلك هي غاية المكارم الاخلاقيه، بكل ما تحمل من نبل، وصفاء، وسمّو ذات .ان ثمة دعاوى قضائيه تُقام اليوم من قبل بعض الكبار على من يتناولهم بالكلام ، لامن يرميهم بالحجارة ..!!واين هؤلاء من مالك ، وسعة صدره ، ورحابه آفاقه ؟!!
االثالثه ان المعتدي على ( الاشتر ) لشديد حقارته سرعان ما غيّر موقفه ، من استهزاء الى استخذاء يُقبّل معه الاقدام ، وهكذا يكون الوضيع انه علم بقدرة الاشتر على معاقَبتِه فهرول نحوه يسترضيه .لم يكن الفاصل بين الموقفين الاّ بضع دقائق ، ولكن الفاصل بين (المسيء) لمالك وبين القيم الأخلاقيه والانسانيه كبير ...ان الوازع الداخلي الرادع عن الوقوع في المطبّات هو الضمير الصافي النقي ، وحين تنطفأ انوار الضمير، يتدحرج المتدحرجون الى مهاوي الاسفاف والانحطاط ...ان الاسلام يعتمد إذكاء الرقابه الذاتيه على سلوك الفرد والمجتمع ، لا على الرقابه الخارجية ،التي يمكن في بعض الأحايين ، الافلات منها بِيُسر وبساطة .
https://telegram.me/buratha