حمودي جمال الدين
اختلف الفقهاء والسياسيون في تحديد مفهوم واضح ومتفق عليه لمصطلح ألدوله, ولكنهم على العموم اتفقوا على أركانها ومقوماتها. فهي الشعب أو ألامه ,,والإقليم أو الوطن,, والحكومة أو السلطة,, ونستطيع إن نستشف من خلال جمع هذه المكونات والأركان الثلاثة ,لنستنبط منها تعريفا اعتباريا مبسطا للدولة,, فهي عبارة عن مجموعه من الإفراد والشعوب, تجمعهم مشتركات متجانسة ,يقطنون على ارض معينه ,يخضعون فيها إلى نظام وسلطة معينه من اختراعهم, و باختلاط هذا المزيج الثلاثي من الأركان ليشير إلى مصطلح اعتباري رمزي يسمى ألدوله.وهذا الكيان مر بمراحل عديدة ,منذ ولادته قبل ألاف السنين إلى ماهو عليه ألان , ففي الحلقات الأولى حيث انتقل فيها الإنسان من مجتمع القبلي المتعصب, الذي يقوم على الأسس والعادات والأعراف العشائرية, والتي تتسم بالقوه والخشونة , والشكيمة والتماسك العصبي, في جسد موحد, يمنح الأمان والحماية لإتباعه ولإفراده, والذي ينصهر فيه الفرد في القبيلة, بغض النظر عن إنسانيته وجنسه , فتتقيد حريته وحركته وفقا لمشيئة وتقاليد القبيلة ورئيسها أو زعيم ألطائفه , حيث لا وجود لمساواة وعدالة وحقوق ومفاهيم مجتمعيه وإنسانيه, بقدر تقديم الولاء والطاعة وأداء الواجب للعشيرة وزعيمها ,.وعند الانتقال إلى مجتمع المدينة وما تعنيه من ثقافة وآداب وفن واقتصاد وحياة اجتماعيه وعلم ومشاعر إنسانيه , والتمرد على عادات القبيلة ألقائمه على التفريق بين إفراد المجتمع, كل ذلك انعكس على حياة الفرد الاجتماعية واخذ يتطلع إلى من يتدخل بحل الصراعات والانقسامات المتضادة الحاصلة من تضارب المصالح ألاقتصاديه وتنافرها سواء كانت على مستوى الطبقات ,أو بين إفراد المجتمع الواحد , لهذا اقتضى الأمر إلى إنشاء قوة تلطف الأجواء المتخاصمة وتبقيها ضمن حدود النظام . .فالدولة إذا قوة منبثقة من داخل المجتمع, وليست مفروضة عليه ,وهي بالتالي نتاج المجتمع عند وصوله إلى درجه معينه من التطور والرقي, وكان لظهور الأديان والرسالات السماوية دورها الأعمق في بلورة مفهوم ألدوله وتطبيقها ,حيث تدخلت بصوره مباشره في حياة الإنسان وتنظيم علاقاته على المستوى الفردي أو الأسري والمجتمعي, وبذلك أضحى المجتمع إمام تشكيلين متنوعين ومختلفين من نظم ألدوله التي اخترعها,.فهي إما إن تكون دولة دينيه تستنبط كل إحكامها ونظمها من الشرائع والتعاليم الدينية والسماويه,و التي وجدت فيها, أو ألدوله المدنية التي تأخذ طبائع وعادات وأعراف المدينة وتعكسها على قوانينها ونظمها .فالدولة الدينية مقولبه ومنصهرة داخل شرائع إلاديان وتعاليمها, لذلك تتصف بالتحجر والانجماد ,ولا تتماشى مع الحركه الدائمة للتطور الحضاري والإنساني الذي تتميز به الخليقة البشرية ,لهذا يحدث التمرد والخروج أو العصيان لهذه الشرائع ,كما لاحظناه في محاكم التفتيش التي سادت القرون الوسطى في أوربا , وما تلاها في الثورة الفرنسية, وكيف كانت ترزح تحت هيمنة السلطة الكنسية ومباركة البابا في وضع التيجان على رؤوس الحكام وتعميدهم لقيادة أممهم , حيث استطاعت هذه الثورة إن تفصم عرى العلاقة المتزمتة بين الكنيسة والدولة, وما ثورة مارتن لوثر التي أزاحت صكوك الغفران عن صدور الشعوب الامريكيه التي كانت تمنحها الكنيسة لمن يمشي على هواها وهديها, حيث تركت هذه الثورات للفرد حرية الاختيار والعلاقة الربانية بين الفرد وخالقه, دون وسيط أو تدخل من قبل الكنيسة, ولم يعد للكنيسة من اثر في تنظيم علاقة الفرد في المجتمع, كما كانت عليها في السابق, وبذلك أرجعت الدين المسيحي إلى أصوله الأولى ,‘‘في مبدأ أعطي لقيصر ما لقيصر ولله ما لله ‘‘‘.فالإنسان وخالقه يتفاصلان يوم الحساب, وما القفزات الهائلة في الثورة الصناعية و التكنولوجية التي شهدتها هذه الشعوب, إلا بفعل تحررها من القوانين والشرائع الدينية لتي قيدت حركتها وانطلاقها لقرون عديدة.والإسلام دين ودوله ,,لكونه ينظم علاقة الفرد بخالقه على مستوى التطبيق في تعاليمه القدسية للدين وأركانها في الصلاة والصوم والعبادات فضلا على انه نظام اجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي, ينظم علاقة الفرد بالمجتمع, ويتدخل بكل مناحي الحياة الانسانيه ,من مفهوم علمي وحضاري, يمكن ان تتلاءم مبادئه ومفاهيمه مع مختلف العصور, لكن ذلك يتوقف على حسن أداء و تطبيق القوامين عليه, ولكن عندما شوهت وحرفت تعاليمه وقيمه ,عن المبادئ والأسس التي جاء بتا, تحول إلى حجر عثرة امام تقدم وعصرنة الشعوب التي آمنت به, فانحدرت إلى التخلف ولم تجاري العالم المتمدن في حضارته وتطوره ,ولهذا بقى الشرق متخلفا عن مسيرة الركب الحضاري في العالم, بفعل الاساءه في تطبيق تعاليم الإسلام من قبل الأدعياء القوامين والمرشدين له ,فالرسالة المحمدية أتت بنظام ألدوله المدنية العصرية بعيدة عن التعصب والانغلاق الفكري والديني والسياسي, في بداية صدر الإسلام الأول, ولهذا نجدها استوعبت كل حضارات وثقافات العالم, وتحاورت وتجاذبت معها منطلقة من عمق المبادئ والقيم التي استندت عليها , لكن عندما تدخلت بها الفئوية والمصلحيه, وتحولت الى سلطة زمنيه وملكا عضوضا ,انحرفت عن تعاليم ومبادئ الإسلام الاساسيه, واستحالت إلى القبلية والعشائرية والتعصب العائلي والوراثي , وصار الخليفة وحاشيته وإتباعه هم الحاكمين باسم الله على خلائق الله , وهم ابعد ما يكونون عن تعاليم ووصايا الله .وقد ذكر الدستور العراقي الجديد في مادته الاولى ( ان جمهورية العراق دولة مستقله ذات سياده ونظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي اتحادي)..هذا نص فضفاض, لكونه ترك العنان للساسة المتولين زمام الأمور في ألدوله العراقية الجديدة, لتحديد نوع ألدوله على هواهم وأمزجتهم وانتماءاتهم العقائدية والفكرية فكان له الأثر الكبير على المستوى التطبيقي للدولة مما أدى إلى هذا التخبط والإرباك والازدواجية, فلم يهتدي المتتبع للشأن العراقي السياسي إلى نوع وجنس وماهية هذه ألدوله.فهل هي دولة مدنيه عصريه ؟؟أم هي دولة دينيه ؟؟أم هي دولة عشائرية قبليه كما هو الحاصل اليوم؟؟أم ترى هي دولة دكتاتورية شموليه ؟؟فما أحوج العراق إلى بناء ألدوله المدنية العصرية ,ألقائمه على الأسس الوطنية ,وليس على البناء الهش الخاطئ, الذي ركز على نظام المحاصصه في اعتماد ألطائفه أو العرق أو الانحدار الحزبي والعائلي, والتي جرها الساسة الجدد بتعنصرهم المقرف إلى أضيق الحلقات من داخل العشيرة أو المذهب .فالانتماء للوطن اسمى من أي انتماء أخر ,عندما يُتّخذ ميزانا ومعيارا للتقييم, فيعطي المواطن حقوقه في العدالة والمساواة كما يضفي عليه واجبات ومسؤوليات تجاه وطنه وشعبه. وتبقى المواطنة هي الأصل, إما ماتلاها من اعتبارا ت وتقديرات, طائفية وعرقية وحزبية وعشائرية , فما هي إلا فروع ,ولا يمكن ان تستقيم او تفاضل الفروع على الأصول, وإلا كان تمزيقا وهتكا للدولة العصريه التي يتوخاها ويتطلع اليها شعبنا .
https://telegram.me/buratha