عادل الجبوري
شهدت العاصمة العراقية بغداد ومدن اخرى من بينها كربلاء وبابل وصلاح الدين والانبار وكركوك ونينوى يوم الثلاثاء الماضي سلسلة عمليات ارهابية مسلحة اسفرت عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى معظمهم-ان لم يكن جميعهم من المدنيين-وهذه المرة لم يتأخر تنظيم القاعدة عن اعلان مسؤوليته عن تلك العمليات، حيث صدر بيان من قبل ما يسمى بدولة العراق الاسلامية جاء فيه ان "أسود أهل السنّة في بغداد وباقي ولايات الدّولة الإسلاميّة انطلقوا في موجة جديدة وبصورة متزامنة لضرب الخطّة الأمنيّة التي أعلنت عنها حكومة الروافض في المنطقة الخضراء، استعداداً لاجتماع القادة والزعماء العرب في بغداد".واضاف البيان "أن هذه الحكومة جندت مائة ألفٍ عسكري وامني في بغداد للمشاركة في خططها الفاشلة، وأنه تم مباغتة العدو بصورة كاملة كما هو الحال دائما، وتوزّعت الأهداف على مقرّات حكوميّة ومراكز أمنيّة وعسكريّة".رسائل القاعدة وتزامنت العمليات الارهابية المسلحة التي يقف ورائها تنظيم القاعدة المدعوم من جهات رسمية وغير رسمية عربية، مع تقارير تحدثت عن شروط عربية تعجيزية من قبل بعض الاطراف مقابل المشاركة في القمة العربية المزمع عقدها في بغداد بعد ستة ايام.وواضح ان تنظيم القاعدة الذي تحدث في بيانه عن سعيه لافشال الخطة الامنية للحكومة العراقية، اراد ان يوجه رسالة الى الحكام العرب مفادها ان حياتكم ستكون عرضة للخطر في حال قررتكم المجيء الى بغداد والمشاركة في القمة، واكثر من ذلك سربت اوساط استخباراتية عربية معلومات تفيد ان تنظيم القاعدة وضع خطة لتنفيذ عمليات ارهابية واسعة في يومي الاربعاء والخميس المقبلين، وهو ما يعني خلق حجة وذريعة اخرى للحكام العرب غير الراغبين في حضور القمة، والساعين الى افشالها، للتخلف اما عن الحضور بشكل كامل او المشاركة بتمثيل متواضع لغرض ذر الرماد في العيون ليس الا، فذريعة فقدان الامن قد تكون اكثر تأثيرا من اية ذريعة اخرى ترتبط بأطلاق سراح سجناء او تسديد اموال او حسم ملف شخص ما."قمة" الازمات! ومثلما اشرنا سابقا فأن التقاطعات والخلافات والاحتقانات بين بعض الفرقاء السياسيين حول ملفات عديدة قد لاتحول دون عقد القمة، ولكن انعكاسها على اجوائها سيترك انطباعات عن عمق وخطورة الازمة السياسية في البلاد.فهناك من يريد عقد القمة بأي ثمن كما هو الحال بالنسبة لائتلاف دولة قانون وزعيمه رئيس الوزراء نوري المالكي، وهناك من يعمل بالاتجاه المعاكس، مثلما هو الامر بالنسبة للقائمة العراقية بزعامة اياد علاوي الذي اصدرت حركته-حركة الوفاق الوطني-بيانا قبل يومين قالت فيه "إن التئام قمة بغداد ليست ضرورية لعودة العراق الى الحاضنة العربية فحسب، وانما لمناقشة اوضاع الشعوب العربية، وما يمر ببعضها من ويلات ومحاولات تهميش واستحواذ وكبت وقهر وقتل، ومنها وضع الشعب العراقي، وضمان سلامتها ونموها ورفاهيتها واستقرارها.. ومن هذا المنطلق ستوجه حركة الوفاق مذكرة تؤكد فيها غياب الشراكة الوطنية، وتنامي النفوذ الاجنبي في العراق، واستمرار التهديد الايراني للقوى الوطنية العراقية، والجهوية السياسية، والخروقات الدستورية، وتوسع حالات الاعتقال والتغييب في السجون السرية، والاقصاء والتهميش، والتراجع عن كل ما تم الاتفاق عليه في اتفاقات اربيل التي تشكلت بموجبها الحكومة الحالية".وبينما تضغط القائمة العراقية سياسيا واعلاميا على المالكي وتعمل على تحويل القمة الى "نقمة" عليه، لاسيما بعد سلسلة العمليات الارهابية الاخيرة التي دفعت اعضاء في العراقية الى دعوة المالكي للاستقالة بسبب فشله في ادارة الملف الامني، راح ائتلاف دولة القانون يصعد الحملة ضد خصومه في القائمة العراقية، ويتهمهم بالعمل على افشال العملية السياسية وضرب الوحدة الوطنية وتهديد استقرار البلاد.وفي حال صحت المعلومات التي تحدثت عن منع المالكي لقادة الكتل السياسية الاطلاع على تفاصيل التحضيرات والاستعدادات للقمة العربية فأن ذلك يعطي مؤشرا واضحا على اتساع الهوة بين الفرقاء، وعدم بلورة رؤية وتوجه موحد لغرض انجاح القمة العربية، وهناك من ينتقد المالكي ويتهمه بعدم استثمار العلاقات الجيدة لبعض الزعماء السياسيين العراقيين مع دول عربية مختلفة لاقناعها بالمشاركة في القمة على اعلى المستويات.والمشكلة انه قبل حلول موعد القمة ببضعة ايام راحت تنفتح جبهات مواجهة اخرى بين المالكي وقوى مشاركة في العملية السياسية مثل الاكراد، وهذا يعني ان من سيأتي الى القمة من الزعماء العرب، سيشهد وضعا سياسيا فيه المزيد من الفوضى والارتباك السياسي ناهيك عن الامني. "نقمة" القمة! واذا كانت خلافات الساسة وصراعات القوى العراقية المتنافسة غالبا ما تلقي بظلاله على العراقيين، بصور واشكال مختلفة، فأن القمة العربية رسمت واقعا سوداويا للغاية في الشارع العراقي، بحيث بات الكثير من العراقيين يطلقون عليها "النقمة" بدلا من القمة، ففي العاصمة بغداد باتت عملية التنقل بين المناطق المختلفة امرا في غاية الصعوبة، مما ارغم حشودا هائلة من الناس للسير مسافات طويلة يوميا من اجل الوصول الى مواقع عملهم او بيوتهم، بسبب السيطرات ونقاط التفتيش التي انتشرت بأعداد كبيرة جدا في الشوارع الرئيسية والفرعية وعلى الجسور ، واربكت حركة سير المركبات، وهذا ما سبب تعطل وشلل حقيقي في عمل الدوائر والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وارتفاع حاد في اسعار مواد الاستهلاك اليومي في الاسواق، ولم يعد هناك ما يمكن القيام خلال الايام السبعة المقبلة، وكل شيء اصبح مؤجلا الى مابعد القمة "النقمة"-كما يردد المواطنون العراقيون.ولان الحكومة العراقية تدرك حجم التعقيدات والمنغصات، بادرت الى اعطاء عطلة رسمية لكافة مؤسسات الدولة لمدة اسبوع كامل، ولكن هذا لايعني في كل الاحوال حلا للمشكلة، فحركة الناس وتنقلاتهم لاتقتصر على موظفي الدولة، وانما هناك القطاع الخاص بمختلف عناوينه الذي لابد ان يؤثر تعطل حركته على ملايين الاشخاص من ذوي المهن الحرة المختلفة. شر البلية مايضحكوفي خضم هذه الفوضى الامنية والسياسية والحياتية راحت النكات والعبارات الساخرة تتردد على السن المتذمرين والمستائين من الذين يسيرون على الاقدام مسافات طويلة ليعبروا الجسور ويجتازوا تقاطعات الشوارع، وينسلون في داخل الازقة الصغيرة ليقللوا حجم العناء، ويختصروا رحلاتهم المارثونية.فهناك من يقول "اللهم اكشف هذه القمة عن هذه الامة"!، وهناك من يقول "كل شيء يهون من اجل عيون الملوك والامراء والرؤساء العرب الذين مازالوا يرسلون لنا ادوات القتل"، وهناك من يقول "فلنذهب نحن العراقيين الى الجحيم ، المهم ان تنعقد قمة الثلاث ساعات" وهناك من يقول "ان بعض الحكام العرب الذين لن يتمكنوا من حضور القمة، سيكلفون بعض قادة تنظيم القاعدة وحزب البعث بتمثيلهم فيها"!. فعلا شر البلية مايضحك!
https://telegram.me/buratha