السيد حســـين الصـــدر
الحُبّ سيّد الحلولالعلاقة بين (المواطن) و(المسؤول) كثيراً ما يشوبها التشنج والاحتقان ، وتطغى السلبيات فيها على الايجابيات ..!!ويرجع ذلك كله ، الى أنَّ ( المواطن ) يجد كثيراً من (المسؤولين) يتلكأون في اشباع حاجاته الآنيه، ويلمس َتراكُم التقصيرات في تقديم الخدمات في مختلف الجوانب الحياتيه ،فتدّبُ في نفسه آعاصير التأثُر والغضب ، وتتلاطم أمواج الإحساس بنسيانه واقصائه عن سلّم الأولويات ، التي يجب ان يراعيها المسؤولون ، لافي الموازنه السنويه فحسب ، بل في كل القضايا الأمنيه والسياسيه والاجتماعيه والثقافيه والصحيه والاقتصاديه والتعليميه .....انه حين يرى مظاهر البذخ والسرف الحكومي ، والفوارق الهائله بيْنه وبين أصحاب المناصب والامتيازات تتقِدُ في قلبه جمرات لاهبه من الشجون والاحزان ، ولا يبقى للراحة المساحة المطلوبة لأبناء بلد غنيّ للغاية كالعراق ليس في موارده النفطيه والمعدنية فحسب ،بل في خبرائه وعلمائه ورجاله القادرين على النهوض بكل مستلزمات الاستقرار والرخاء .ان المليارات المهدورة ، خلال السنوات الثمان الماضيه، كانت كفيلة باحداث النقلة النوعية في حياة المواطن العراقي، بالقياس الى ماكان عليه ايام الدكتاتوريه البائده ، ولكنه حتى الآن مسكون بأوجاع انقطاع الكهرباء لساعات طويله ، وهو مشروع "شهادة" مُنْتَظَرة في الشارع أو السوق أو المدرسة أو الدائره ..!!ليس الحل في ألغاء هذا التخصيص أو ذاك كما حصل بالنسبه للسيارات المصفحة التي أرادها النواب ، وانما يكمن الحل في ان يكون حُبّ المواطن هو الأحساس في كلّ إجراءٍ يُتخَذُ مهما كان لونه ومحتواه .واذا كان حبّ المواطن هو المعيار المعتمد ، فلن تكون هناك لا سيارات مصفَّحة للنواب وحدهم ، ولا مواد غير صالحة للأستهلاك البشري معدّه للتوزيع على المواطن ولامعاناه من مشكله انعدام الماء الصالح للشرب ، في كثير من المناطق ولا يتكدس أطفالنا في المدارس الطينيه كأنهم النمل ، ولا تبقى أنياب حادّه للبطاله ...ويطول تعداد المفارقات المحزنه ان اردنا الاستيعاب .ان حبّ الذات هو الطاغي على السلطويين وان حبهم لجهاتهم وكتلهم ،لايمكن ان يقارن بحبهم لناسهم ومنتخِبيهم ، والاّ لما تراكمت الأزمات ، ولما امتدت الصراعات بينهم حتى بلغت حداً لايُطاق .هذه هي الحقيقه التي لم تغب عن بال الوطنيين الصادقين في حبهم للشعب والوطن .وحين يصدق ( المسؤول ) في حبّه (للمواطن) فلنْ يفضّل نفسَه عليه ، ولن يفضّل الكسل على العمل ، ولن يفضّل الاختلاس على النزاهة، ولن يتوانى عَنْ ان يصل الليل بالنهار في مضمار الخدمات التي يقدّمها للناسمَثَلُ (المسؤول) مع (المواطن) مثل الأب مع الأبناء .انه يكدح من أجل إسعادهم ، ويكابد ألوان المشاق ليدخل على قلوبهم السرور .ولا لذاذة عنده أكبر من أنْ يجدَهُم آمنين مطمئنين مستقرين ....ومن المناسب هنا ان ننقل حواراً مهما، جرى بين (المنصور) مع وزيره (الربيع بن يونس) ، وهو حافل بجملة فوائد واضاءات في هذا الباب ، وقد ذكر الحوار ابن خلكان في وفيات الأعيان ج1 / 332 قال المنصور للربيع يوماً :(( ياربيع :سل حاجتك ، قال :حاجتي يا أمير المؤمنين ان تُحب الفضل ابني ، فقال لهوَيْحَكَ إنّ المحبه تقع بأسباب ، فقال له :قد أمكنك الله من ايقاع سببها ، قال :وما ذاك ؟ ، قال :تُفْضِل عليه ، فانك اذا فعلتَ ذلك أحبّك ، واذا أحبّك أحببتَه ، قال :قد والله حببَّتَه اليّ قبل ايقاع السبب ، ولكنْ كيف اخترتَ له المحبه دون كل شيء ؟ ، قال :لأنك اذا أحببتَه كبُر عندك صغيرُ احسانِه وصغُر عندك كبيرُ اساءتهِ وكانت ذنوبُه كذنوب الصبيان وحاجتُه اليك حاجة الشفيع العُريان -أشار بقوله ( الشفيع العريان ) الى قول الفرزدق الشاعر :ليس الشفيعُ الذي يأتيك مُتّزراًمِثل الشفيع الذي يأتيكَ عُريانا ))أقول :ولو لم يكن من سبب عند المسؤول لحب المواطن الاّ مغامرتُه بحياته يوم الانتخابات من أجله لكفى اننا مأمورون بان نحبّ لاخواننا ما نحبّ لأنفسنا ولكننا نسينا اخواننا ، وبَالغنْا في حبَ أنفسنا فانتهى بنا المطاف الى ما نحن فيه من الأزمات .
حســـين الصـــدر
https://telegram.me/buratha