علي الشيخ حبيب
قراءة في البُعد الإستراتيجي لِقمة بغداد // علي الشيخ حبيبالمُقدمة:- القمة العربية التاريخية المزمع عقدُها في بغداد في نهاية الشهر الجاري تُعتبر نقطة تحول فارقة في الوضع العربي الراهن، لما يمثلة العراق من عملاق اقليمي مرتقب له ثقل كبيرفي الساحة العربية والعالمية، بعد ان تجاوز العراق مرحلة الدكتاتورية ونيل السيادة والاستقرار السياسي، حيث يعول العرب والعالم على قمة بغداد في رسم مستقبل العلاقات العربية - العربية وتغيير نمط الاصطفافات وموازين القوى الاقلمية الفاعلة في الشرق الاوسط والعالم العربي ، اضافة الى اضهار قدرة القيادة العراقية على ادارة تلك القمة وطرح افكار ورؤى من شأنها تغيير المعادلات المتشنجة في العالم العربي ، وتهدئة اجواء دعوات امراء الحرب الى التدخلات الاجنبية في البلدان العربية. فالترتيبات لاستقبال الملوك والرؤساء والأمراء استكملت، والإجراءات الأمنية بلغت ذروتها، باستنفار جيش كامل لحماية ضيوف العراق، وقال نائب الامين العام للجامعة العربية احمد بن حلي ان القمة العربية ستنعقد في 29 من الشهر الجاري، وسيكون اجتماعا لوزراء الاقتصاد في يوم 27 اذار واجتماع وزراء الخارجية 28 اذار ، واجتماع القادة في 29 اذار/مارس. اسباب عدم انعقاد القمة العربية في بغداد العام الماضي 1- الظروف التي فرضها الربيع العربي على البلدان العربية، وتغيير الخارطة السياسية العربية، وسقوط اكبر الدكتاتوريات العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن، وقبلها في العراق وتأثر الدول الخليجية بنسيم التغيير التي رافقت الربيع العربي.2- الحرج الذي كانت تعاني منه الدول العربية التي كانت تزايد اوتدعي انها ضد الاحتلال، من انعقاد تلك القمة في بلدٍ تحت الاحتلال الأمريكي.3- القلق الأمني لدى بعض الرؤساء والملوك والمشايخ العربية الذي جعل البعض منهم يقترح عقد القمة في أربيل، لكن هذا الإقتراح ما لبث أن استُبعد وقررت الجامعة انعقادها في بغداد،هذا العام رغم اعلان بعض الدول العرية عدم مشاركتها فيها، علما ان تلك بعض الاسباب المعلنة التي كانت وراء تأجيل انعقاد القمة العربية في بغداد العام الماضي رغم استعداد العراق لاستضافتها.أسباب قبول عقد القمة العربية في بغداد ؟1- انسحاب القوات الامريكية من العراق وزوال ذريعة الاحتلال.2- وضع السلطات العراقية خطط امنية محكمة لحماية مكان القمة والمشاركين فيها، في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في العراق .3- تحقيق مراهنات الجامعة العربية على هذا الحدث لإعادة ارتباط العراق بالعرب والمكانة المرجوة للعراق لاعادة هيكيلية المنطقة العربية بعد الربيع العربي.4- محاولة بعض الانظمة الفتية العربية التي قامت على انقاض الدكتاتوريات الاستفادة من اسخدام التجربة الديمقراطية العراقية.5- سقوط قناع الارهاب وأصبحت طائلة العدالة تنال اكبر رؤوس الجريمة ودمى الاقليم واطراف الفساد السياسي في العراق.6- تنوع المشهد السياسي العراقي وتمثيل جميع المكونات والاقليات في العراق في الحكومة والبرلمان، رغم تشكيك الانظمة العربية الخليجية في ذلك .الهواجس السعودية والخليجية من قمة بغداد؟1- الأزمة السياسية الراهنة في العراق بعد اتهام الهاشمي والدعوات الخليجية والعربية الى أن ترتب بغداد خروجها من هذه الأزمة قبل موعد القمة.2- ليس سراً أن العديد من العواصم العربية خصوصاً المملكة السعودية وبعض الدول الخليجية لم تنفتح على رئيس الوزراء نوري المالكي ولا ترتاح إلى نهجه في إدارة الحكومة، رغم الانجازات الكبيرة التي قام بها المالكي في تحقيق الامن وفرض القانون وتوقيعة على الاتفاقية الامنية التي كان احد نتائجها خروج القوات الامريكية من العراق وأنسحابها الى قواعد في الكويت وقطر والسعودية.3- المناخ الملبد بالغيوم الذي فرضته الأزمة السورية، حيث ان الرؤية العراقية التي ترى التداول السلمي للسلطة في سوريا ، وأصرار السعودية وقطر وبعض الدول العربية والاقلمية في الدعوة الى لجوء الجامعة العربية إلى تدويل القضية السورية.4- شعور دول الخليج العربية وبعض محور الاعتدال أن التهديد الأكبر للعرب هو إيران، التي يعتقدون انها لا تزال تملك أطماعا بالسيطرة على الخليج.5- أعتبار بعض العرب ان قرار الجامعة العربية عقد قمة في بغداد ضرباً من الجنون، لأن الحكومة العراقية تتمادى في مساندة طهران ضد إرادة غالبية الدول الأعضاء في الجامعة العربية،كما تؤدي بغداد دوراً حيوياً في دعم نظام الأسد، الذي يعتبرة العرب انه حليف إيران في سورية، والذي يدينه أعضاء الجامعة العربية بشدة ويعملوا على عزلة واسقاطة.6 - لهجة العراق الندَية مع تركيا، التي يعول عليها المحورالسعودي القطري ان تتخذ موقفا حازماً ضد الأسد.7 - عمل القيادة العراقية على إحباط العقوبات الدولية على إيران، لان بغداد لا تنوي التقيَد بالعقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على طهران، حيث طلب العراق رسميا اعفاءة من تلك العقوبات، لان إيران هي ثاني أكبر شريك تجاري للعراق، حيث تصل قيمة التبادلات التجارية إلى نحو 10 مليارات دولار أميركي سنوياً، وتعمل حالياً على تطوير مزيد من التعاون الصناعي والاقتصادي معه8-لازال بعض العرب ينظرون للنظام العراقي الجديد بانه يندرج وبقوة، في خانة التصنيفات المذهبية التي أخذت تعلو على كل التصنيفات الأخرى، في زمن التطيّف والتمذهب الذي تعيشه المنطقة.9- أن أمر القمة، ما زال في عداد الغيب بالنسبة لكثيرٍ من المراقبين والمحللين السياسيين، فالطريق إلى القمة ما زال مفروشاً بحقول من الألغام السياسية والأمنية، وثمة دول ومحاور عربية، لاتريد أن تعطي لبغداد شرف استضافة القمة، وهي لم تألُ جهداً لزرع الألغام والعراقيل في الطريق إلى بغداد10- الملوك والقادة العرب الذين يتوجسون من الأوضاع السياسية للقمة، ويتحسبون للنتائج التي ستتخمض عنها، ليس على صعيد المقررات والبيان الختامي فحسب، وهذا أمر بالغ الأهمية، ويتأثر عادة بمواقف وتوجهات الدولة المضيفة، بل ويتخوفون أيضاً من مسألة انتقال رئاسة القمة، واستتباعا المؤسسات المنبثقة عنها، من الدوحة إلى بغداد. الاهمية الاستراتجية لقمة بغداد:-1- انعقاد القمة العربية في العراق يعد حدث تاريخي مهم في المرحلة الراهنة، وان هذه القمة ستسهم في رأب الصدع الذي حصل بعد عام 1991 جراء سياسات النظام السابق.2- انعقاد القمة العربية يعد فرصة تاريخية للعراق للحصول على استحقاقه الفعلي في صنع القرار العربي وان هذه القمة مهمة للعراق في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، لكي يستعيد دوره في قيادة العمل العربي المشترك.3- مناقشة تعزيز العلاقات بين العراق والدول العربية، وحل ملف الديون، وتفعيل التعاون الأمني بين العرب، فضلاً عن نأي العراق عن سياسة المحاور التي تشهدها المنطقة العربية.4- أن قمة بغداد ستثبت للعالم اجمع مدى نجاح التجربة الديمقراطية العراقية في ظل احترام ارادة الشعب، وقد يكون نجاح هذه التجربة مثالا يحتذى به في المجتمعات العربية ، سيما اذا ما احتسبنا السقف الزمني القياسي الذي استغره العراق للوصول الى ماهو عليه اليوم.5- أن قمة بغداد هي فرصة مناسبة للشركات ألاستثمارية أن تطمئن لعملها في العراق وأن لاتبقى تلك الشركات وحكوماتها تعيش هاجس الخوف من العمل في العراق.6- أن قمة بغداد هي فرصة مناسبة للتنسيق والتشاور من أجل التعامل مع المستجدات الخطيرة والمصيرية التي تعيشها المنطقة العربية، وكذلك من أجل ضمان منظومة العمل العربي المشترك .7- أن قمة بغداد هي فرصة مناسبة لمناقشة ملفات مهمة بينها استراتيجية الطاقة والأمن الغذائي والمائي واستراتيجية الحد من الكوارث.8- أن قمة بغداد هي فرصة مناسبة لمناقشة اعادة هيكلة نظام الجامعة العربية.9- ستعد هذه القمة رغم الصيغة البروتوكولية المتعارف عليها في معظم القمم العربية التي غالبا ما تخرج ببيانات ذات مسحة شعاراتية ، وستكون أهم محطة فيها هي إشعار العرب والعالم بأهمية العراق الستراتيجية والجيوستراتيجية ومحوريته المفصلية.10- ستكون قمة بغداد فرصة تاريخية نادرة يمنحها العراق للمشاركين في هذه القمة كي يصححوا مواقفهم، ويعيدوا اتجاه بوصلتهم التي انحرفت كثيرا عنه، ليأخذ العراق مكانه الطبيعي، ويكون لاعبا إقليميا وشرق أوسطيا فاعلا ومؤثرا بما يتناسب وحجمه وامتداده الحضاري فوق تضاريس الجغرافيا وحنايا التاريخ، وإمكاناته المادية الهائلة وبنيته الديموغرافية الثرة بعد أن يفهم الأشقاء العرب مسألة مهمة من سياق نتائج قمة بغداد بان العراق الجديد هو عراق جدير بالثقة والتعامل الموضوعي ويمتلك تجربة ديمقراطية جديرة بالاحترام وهو خزين ستراتيجي وامتداد حيوي لجميع أعضاء جامعة الدول العربية.الخاتمةنآمل ان تكون قمة بغداد ذات مستوى يفوق القمم السابقة، من حيث التمثيل العربي، وان يكون الحضور العراقي في أعلى مستويات المسؤولية والجدية والانسجام والتناغم، والابتعاد عن الاصطفاف المتخندق الذي يؤثر سلبا على سمعة العراق.كما نآمل ان يطرح العراق قضاياه العادلة بكل ما يتعلق بالأمن والإرهاب، ومسؤولية بعض الدول العربية الأعضاء عن الانتهاكات الامنية اليومية التي تحصل على الأراضي العراقية، إضافة الى التجاوزات التي تضر بالاقتصاد العراقي، والحرب الإعلامية الشرسة التي لم تنصف العراق حكومة وشعبا.ونآمل من الجانب العراقي توضيح انه لا شرق أوسط كبيرا ولامحيط عربيا آمنا ومستقرا ومزدهرا بدون امن واستقرار وازدهار العراق، وهو ما يجب فهمه واستيعابه واستثماره.وإذا قدّر لقمة بغداد أن تنعقد، ستكون الفرصة الأولى بعد الانتفاضات الشعبية لوضع الجامعة والقمة العربيتين على سكة رؤية جديدة للعمل العربي المشترك، تأخذ أكثر في الاعتبار ضرورة الاهتمام بمصالح الشعوب اكثر من قمم امن الانظمة والتحالفات لديمومة بقاءها.
علي الشيخ حبيبمدير- مركز الرافدين للدراسات والبحوث الاستراتيجيةhttp://www.alrafedein.com/
https://telegram.me/buratha