حافظ آل بشارة
أعرف ان مؤتمرات القمة العربية السابقة لم تأمر بمعروف ولم تنه عن منكر ، ولكن هذه المرة للقمة قيمتها في بغداد ، العرب كلهم تطيروا بالتجربة العراقية واوجسوا منها خيفة ، وبعضهم اسهم عن طيب خاطر في رفد برنامج طموح لتهديم العراق وابادة اهله ، اليوم تجري الامور باتجاه آخر ، وتلك الايام نداولها بين الناس ، سيقترب العرب من بغداد لقراءة ما يجري ومشاهدة القصة عن قرب ، سيجدون ان نظراءهم في بغداد ليسوا من المريخ بل هم عرب مثلهم شكلا ومضمونا ولغة وزيا ، وان بغداد هي بغداد بقصورها وجسورها وعيون المها ، سيدركون ان بغداد لم تتغير سوى انها ازاحت رموز الطغيان وعادت الى تواضعها وعطاءها القديم ، سيتذكر المخضرمون منهم خطابات القمة في بغداد ودمشق والقاهرة والخرطوم والرياض وطرابلس وبيروت كيف تتشابه وتخاصم نفسها ، سيتذكرون ان بغداد رددت عبر الشواطئ والازقة خطابات القمم السالفة حول الوحدة العربية وتحرير فلسطين ، سيتذكرون كيف انشغل العرب في تأليف الخطابات القممية ، وفي غفلة منهم نشأ عمالقة دوليون جدد مثل الصين والهند واليابان وايران ، وولدت نمور اقتصادية نشيطة مثل كوريا وماليزيا وتايلند والبرازيل ، العرب ما زالوا يناطحون اسرائيل بالخطابات فترد عليهم بصناعة رؤوس نووية جديدة ، فعل غريب ورد اغرب ، هذه المرة بغداد تستقبل القمة في الالفية الثالثة ، العراق مؤهل لأن يحول هذه القمة والقمم المقبلة الى لقاءات عمل بين دول طموحة ، يقول العرب انهم اسسوا دوائر في اطار الجامعة العربية منذ عقود لانجاز الوحدة العربية بالتكامل التدريجي ، تكامل نفطي زراعي سياحي بيئي علمي تقني صناعي ، اسباب النجاح متوفرة فالعرب في حسابات التأريخ والمجتمع أمة واحدة بسبب وحدة الثقافة والدين واللغة والاتصال الجغرافي ، عناصر الوحدة بين الشعوب العربية اكثر قوة من عناصر الوحدة بين طوائف الشعب الهندي وهم دولة واحدة . العراق مؤهل اقتصاديا بنفطه وزراعته وبشريا بثقله السكاني وثقافيا بحضارته العريقة وسياسيا بنظامه الديمقراطي الحديث كي يقود تجربة تكامل عربي جدي ، في قمة بغداد المرتقبة سيغيب الخطباء الكبار فلن نسمع مهاترات ثنائية لان القذافي رحل ، ولن نسمع تهديدات نارية لان صدام رحل ، ولن نسمع شعارات كبيرة وفارغة لأن مبارك رحل ، ولن نسمع دعاية استقطابات اقليمية وحزبية لأن صالح رحل ، سنسمع خطابات الحداثة والتنمية لأن الشعوب لا ترحل ، سيكون انعكاس الصراعات الدولية على العرب محدودا ، فأميركا منشغلة بمراقبة مستقبل الازمة المالية بقلق ، وروسيا والصين يراقبان القلق الأمريكي بارتياح ، وفي سوق النفط هدوء يسبق العاصفة ، تغيير عدد من الحكام في العالم العربي يمكن ان يؤسس مزاجا سياسيا افضل لينتقل الجميع من التنافس الى التكامل ومن تبادل المخاوف الى تبادل المودة ، ومن هدر الاموال الى التنمية ، ومن النزاعات والشكوك الى الشراكة المثمرة ، ومن التفكير الآني الى التفكير الاستراتيجي .
https://telegram.me/buratha