( بقلم : طالب الوحيلي )
حفل الواقع العربي بأكثر قضايا العالم تعقيدا ،وقد توالدت فيه تناقضات تلونت بتلون أجناسه وتعدد شعوبه واختلاف مستويات توزيع الثروات والطاقات البشرية ،الأمر الذي فرض واقعا متجذرا من الاختلال والاختلاف ولو في حدود الأقاليم المتقاربة بيئيا او اجتماعيا ،فيما عدت النزعات السياسية التي جاءت على غرار الثورات القومية الأوربية هي أوهام للم شتات هذا النسيج المتباين في كل شيء ،فلم تفلح أحزابه القومية في الوصول الى الحدود الدنيا من الاطمئنان الى نمط توحدي ولو شكليا من ذلك الفشل الذريع لما يسمى بالجمهورية العربية المتحدة ،بالرغم من تأسيسها على دستور واحد وعلم واحد ونشيد وطني مشترك لم يدم أكثر من عقد من الزمان لكي ينشب بين اقرب حليفين عربيين صراعات ايديلوجية وصرعات سياسية ،ناهيك عن تجربة حزب البعث في العراق او في سوريا ،او مغامرات المقبور صدام وتخبطه بين مجلس تعاون عربي او احتلال لدولة ذات سيادة ووجود في المجتمع الدولي ،وفيما توحدت إرادة الأنظمة العربية في مؤسسة إقليمية هي الجامعة العربية ،اعتادت على الاختلاف فيما بينها في أنشطة هذه الجامعة التي لم ترتقي يوما لمستوى وطموح الهم العربية والتحديات المحيطة به عربيا او دوليا لاسيما وان لها قضية مصيرية او مركزية او غير ذلك من مسميات هي استهلاك إعلامي يغمر المواطن العربي البائس الذي تحول الى مجرد فرد من قطيع يقوده ذلك الحاكم المستبد بكل دكتاتوريته ومؤسساته القمعية ،ليصل الامر الى عبادة شخصية لا تنتهي الا بموت ذلك الحاكم او تغييره خارج نطاق الإرادة الشعبية ،فالناس على دين ملوكهم !!
الشعب العراقي هو الوحيد الذي صارع الطغيان وانتصر على أعتا استعمار في زمن قياسي ،بأبسط أدوات وأسلحة ،وخاض نضالا لا مثيل له بل تكونت في وادي الرافدين أقوى حركة تحرر في العالم ،تكالبت عليها كل قوى الاستبداد والتبعية لتطيح بها لاسيما بعد قيام ثورة تموز عام 1958 ،كل الرجعية العرابية توحدت لكي يكون لعبد الناصر اليد الطولى في التآمر على إسقاطها بعد ان أمدّ قوى التآمر القومجي بأسلحته ومعداته ،والشعب العراقي اكثر من ظلم من اقبل أشقائه العرب حين ابتزت ثرواته وخيراته من قبل الحكم الصدامي وليخوض حربا طاحنة نيابة عن الأمة العربية استمرت أكثر من ثمان سنوات متواصلة ،لا يمكن ان تقاس بالحروب العربية التي لم تستغرق أطولها عدة ايام ،بين نكسة او نكبة او هزيمة صنعتها المؤامرات المستمرة ،وخرج شعبنا المضرج بالدماء والدمار اشد رغبة في الخلاص من طاغيتة ،ليعلن أكثر من انتفاضة راح ضحيتها الملايين من الشهداء ،في الوقت الذي انغمس العرب في ترفهم او في فرجتهم وتصفيقهم (لرمز) الامة العربية ،وسقط صدام وتنفس شعبنا الصعداء ،لكن اول شعور يتلقاه العراقي من أشقائه هو دفعات من الانتحاريين والذباحين وعتاة المجرمين الذين لم يراعوا أي حرمة للدم العراقي او كرامته،لاسيما الدعم الباذخ لقوى الإرهاب وحواضنه وقد شاعت إعلاميا مشاريع التبرع للمؤسسات الإرهابية تحت مسميات إنسانية ،فيما يتداول المواطنون العراقيون الإخبار حول دخول أموال خيالية لبعض الأطراف السياسية من قبل بعض دول الخليج بهدف قتل العراقيون لبعضهم !تحت تأثير فتاوى شيوخهم المعبأة بالدم والدمار وكأننا من ملة أخرى!!وإعلاميا لعبت وسائل الإعلام العربية دورا قذرا في الترويج للجرائم الإرهابية والتحريض عليها وبث وعرض الصور المرعبة للقتل ،وكان لقنوات معينة اتصال وثيق بالزمر الإرهابية ،حيث تحولت الى لسان حال لتلك الزمر ،الأمر الذي حدا بالحكومة العراقية الى إغلاق مكاتب تلك القنوات العاملة في بغداد ،لتبقى تبث سمومها وأحقادها الممنهجة لتدس لعسل بالسم بقصد تشويه سمعة الشعب العراقي والحكومة والتجربة السياسية الفتية ،والنيل من الرموز الدينية المقدسة والسياسية ،دون ان تعبأ بمشاعر العراقيين او بسيادة الدولة وإمكان ملاحقة تلك القنوات قضائيا او قيام نزاع دولي مع الدول الراعية لتلك القنوات ،وذلك اقل ما يرجوه المواطن العراقي من حكومته المنتخبة القيام به .
ولعل اشد أنواع العداء للشعب العراقي هو ما قامت بع الأنظمة العربية في فتح أحضانها للقيادات الإرهابية وأركان النظام المهزوم ،لتكون مدن وعواصم تلك الأنظمة مراكز قيادة ودعم لوجستي للجرائم البشعة التي تطال لمواطنين الأبرياء دون تمييز.بعض الحكام العرب لم يخفوا مواقفهم الحقيقية مما يجري في العراق ،فأصدروا التصريحات المنكرة بقصد النيل من شعبنا ،من ذلك خوف احدهم من الهلال الشيعي ،واتهام الآخر أتباع اهل البيت بعدم الولاء لأوطانهم ،فيما وجد الآخر في ابناء هذا المذهب خطرا يفوق خطر الاحتلال الأجنبي ،وان هذا الخطر سوف ينتشر في العالم ،لتتحول مظلومية الشعب العراقي وما اعاناه من اضطهاد وقتل جماعي طيلة أكثر من ثلاثة عقود الى ظلم للأقلية التي طالما حكمت هذا الشعب ! ليقف الرئيس السوري على ناصية الاعتراف الصريح بأنه الطرف الصعب بلعبة الدم العراقي بعد استقباله لحارث الضاري أسوة باستقبال رئيس جمهورية العراق ،فيما ترك لقيادات حزب البعث المجال فسيحا للتخطيط للخراب في العراق ،وتلك رسالة يوجهها للعراق وللولايات المتحدة بان لا استقرار للعراق الا من خلال سوريا !!
مختار لماني ممثل الجامعة العربية في العراق ،قدم استقالته من مهمته بعد ان وجد الوهن من الدول العربية ،وشعر انها تتفرج على ما يصيب العراق من خطر مرعب وكأن العراق في كوكب آخر ،مؤكدا على انه لم يلقى أي دعم عربي جدي في إنجاح مهمته او في المساهمة على استقرار الأمن والحياة في هذا البلد العربي المهم ،كما انه وجد من الجانب العراقي شعورا كبيرا ورغبة جادة في تحقيق ما يصبو اليه ،مطريا على الدعم الحكومي له ،ومشيرا الى انه عمل في محيط عراقي ضم النسيج الوطني دون ان يلاحظ أي تمايز طائفي او تهميش للآخر ،مكررا أسفه على الموقف العربي السلبي اتجاه العراق وشعبه..
واذ يقول المثل الشعبي العراقي (جزا الله النوائب ..عرفني عدوي من صديقي)فان ذلك ينطبق على ما يعيشه العراق من كوارث يومية كان آخرها مجزرة الصدرية التي راح ضحيتها اكثر من 150 شهيدا وأكثر من 300 جريحا وهي من ما جادت به الأخوة العربية التي لم تذرف دمعة على هؤلاء الضحايا ومعظمهم من النساء والأطفال ،ولم تشجب او تستنكر او تعلن موقفا يشعر العراقي بان له أشقاء يألمون لألمه او يفرحون لفرحه ،فمتى يستيقظ الضمير العربي ؟!!
https://telegram.me/buratha