سماحة السيد حسين الصدر
الأمانة الوظيفيّة الموظفون على اختلاف درجاتهم الوظيفيّه ، يتفاوتون في أداء ما أُنيط بهم من أعمال :فبعضهم - وهم القلّة - من الحرص على انجاز ما أُنيط به من مهام بدرجه لا يكتفي معها بالانهماك بأداء الواجبات اثناء الدوام الرسمي، وانما يمتد به العمل الى خارج حدود هذا الدوام أيضاً..كل ذلك انطلاقاً من أمانته واحساسه العالي بالمسؤوليه ، وحبه لاتقان العمل بكل تفانٍ واخلاص ...وبعضهم يسري الترهل والارتخاء في كل مفاصله وأعماله ، فلا يؤدي الاّ القليل من (الأعمال) بينما يقرن ذلك بالكثير من (الاقوال) والكثير من التوقعات لتحسين الحال ..!!وبين هذين الحدّين - العالي والداني - تبرز طبقة ثالثه ، لاتستمرء الإهمال والتقصير ولكنها لا تجود بالكثير ...تلك هي الحالة السائدة في معظم المؤسسات والأجهزه الرسميه، خلافاً للمشاريع الخاصة ، حيث يبرز فيها الدافع الذاتي ...!!! والخاسر الأكبر من عمليات التهاون والتقصير ،والتعاطي الفاتر مع الأمور، هو المواطن ، الذي كثيرا ما يتلاعب بعض الشياطين بوقته وأعصابه ، وربما بأمواله عبر الابتزاز الشديد ..!!ان الراتب الممنوح للموظف ليس منحةً مطلقة ، وانما هو في حقيقته مكافأة عما يؤديه من عمل ، وحين يغيب العمل ، ينتفي الاستحقاق .وكل موظف يتقاضى راتبه الكامل ، مع الاخلال الوظيفي، فانما هو بمنزلة الولد العاق ، المتمرد على أبيه ، والمخالف لتوجيهاته ....اننا يمكن ان نطلق على الواجبات المناطه بكل موظف اسم (الأمانه الوظيفيه) فكما أنَّ المؤتمن على مالٍ معيّن ، يجب عليه ان يؤديه الى صاحبه ،دون تلاعب فيه ، فان الموظف عليه ان يؤدي أمانته الوظيفيه بكل دقة وسلامة، بعيداً عن اي اخلال ولقد آلمني كثيراً خبر قرأتهُ مُؤخراً جاء فيه :(أُلقي القبض على موظف في مصرف الرافدين بتهمة استبدال عملة، بمساعدة موظفه في المصرف، لتوزيعها ضمن رواتب قوى الأمن الداخلي.المتهم كان يُدخل عملة نقديةً مزورة من فئة 10 آلاف دينار الى المصرف ،بالتعاون مع موظفة اخرى في المصرف نفسه، لأستبدالها وتوزيعها ضمن رواتب الأمن الداخلي وُجد بحوزته 16 مليون و 700 ألف دينار مزورة و37 مليون غير مزورة تم استبدالها بعملة مزورة ..)ان وجود (موظفة) الى جانب هذا (الموظف) يشي ، بأن هناك توجهاً الى تشكيل (عصابه) داخل المصرف ، تتولى عملية ادخال العملة المزوره الى المصرف واستبدالها ، وهذه العمليه ليست خيانة وظيفيةً فحسب، بل انها خيانة وطنية ، لان العملة المزيفة تُضّر اضراراً بليغاً بالاقتصاد الوطني انّ المواطنين يلجأون الى المصارف الرسميه للخلاص من مشكلات العملة المزورة ،ويريد هذان الخبيثان نسف الثقة بالمصارف الرسميه التي هي أهم عنصر من عناصر التعامل معها ..!!ثم انهما يريدان تسريب هذه العملة المزورة الى قوى الأمن الداخلي ، في واحدة من أبشع عمليات التخريب ،والضحك على الذقون، ذلك ان قوى الأمن الداخلي ، اذا كانت هي التي تضخ العملة المزورة في الاسواق، فان ذلك يعني ان (حامي) الناس هو (حراميهم) ...!!!وهكذا يقود غياب الرادع الداخلي ، والضمير النقي ، الى الوقوع في مستنقعات الخيانه الوظيفيه ، والوطنيه والاخلاقيه والانسانيه ....وقد قرأتُ في الخبر أيضاً ،ما يشير الى ان الموظف المذكور ، هو من أهل السوابق ..!!!انه كان قد فصل سابقاً بتهمه الاختلاس ...والسؤال الآن :اذا كانت قد حامت شبهه الاختلاس حول هذا الموظف ، فكيف يُعيّن في هذا الموقع الحسّاسّ في مصرف الرافدين ؟ان تعيين المختَلِس في موضع حساس ، يُشكّل هو الآخر ، خيانةً وظيفية، ذلك ان مقتضى القاعده ، ان نضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، ومما لا إشكال فيه ، ان المختلس لا يصلح ان يكون موظفاً في مصرف الرافدين .ان هذا الموظف المتهّم بالاختلاس سابقاً ، والمُمارس للعمليات الشائنه حالياً ، قد ألقي القبض عليه ، ولكْن مَنْ سيحاسب من دَفَعَ به الى هذا الموقع ؟ونحن لانتهم مَنْ عيّنه بالتواطؤ معه ، ولكننا ندعو الى مزيد من الحيطة والحذر في تعيين الموظفين في المواقع الحساسة ، دَرْءً للمخاطر والمفاسد، وصيانة لأجهزتنا ومؤسساتنا من كل فاسد .إن اعتماد المحاصصات ، وإهمال المعايير الموضوعيه ، والانطلاق من الروابط الشخصيه والعلاقات العائليه ، والمحسوبيات التي ما أنزل الله بها من سلطان ، سبّبتْ هذه المفارقات المؤلمة .اننا لابُدَّ ان نشيع ثقافة الأمانه الوظيفيه ، التي تُرهف الوازع الداخلي ، المانع من الوقوع في المطبّات .
https://telegram.me/buratha