سعد الزيدي
الأمن الثقافي أو الحصانة الثقافية مفهوم معاصر يعني الحصانة الفكرية للإنسان من التأثيرات السلبية التي تحملها الثقافات المعادية لمنظومته (العقدية والأخلاقية والتربوية) وبالتالي ممانعة كيان الأمة من الانهيار 0 أن السلوكية الحياتية للفعاليات اليومية الفردية والاجتماعية التي تظهر عليها أثار المفاهيم الثقافية تمثل الحالة العملية لبناء الأمن الثقافي،وأن الحرص على اعتبار ذالك حالة طبيعية حاضرة في المفردات اليومية يمثل قوة الأمن الثقافي وقيمته الحضارية0الأمن الثقافي يشكل مقدمة وضرورة لكل أنواع الأمن كالأمن العسكري والأمن الغذائي ،هكذا تقول التجارب العالمية ، وتقول أيضا ما من أمة استبيحت عسكريا إلا من بعد غزوها ثقافيا ، وما من صمود حقق نصر إلا مع أيمان بالقضية وما من بناء حضاري إلا بتراكم معرفة وما هذا وذاك إلا حالة الظهور للحصانة الثقافية فهي تحقق المناخ المناسب لحالة الإبداع وتجلب الثقة والقناعة وترسخ الأهمية وتدعم الحجة التي تقود إلى التقدم والنصر0 أن الحصول على الأمن الثقافي أصعب من تأمين باقي فروع الأمن وصيانته والحفاظ عليه أكثر صعوبة 0 من هنا تأتي أهمية الأمن الثقافي والحصانة الأمنية ،وكونه من المسؤوليات الجماعية التي تتوزع أدواره وفق كل المستويات وتتناسب مع الحصيلة الثقافية للأفراد والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية واختصاصها ودورها في البناء الاجتماعي0 نحن لا نفتري على احد إذا تفاخرنا بقيمنا الحضارية وقلنا برقي مفاهيمنا الثقافية ،فنحن أمة لا ندعي غير ما نملك ولا نقول إلا ما نعلم ولا نخشى الانفتاح الثقافي ،وأن خزائننا طافحة بكل فروع المعرفة وبشهادة الآخرين ، وقبلهم شهادة السماء ونحن نعتز بالانتماء إلى هذه القيم والمفاهيم ،فهي تشكل منظومة تربوية سماوية، ومنهج قويم متكامل ،أساسه رسالة سماوية ورسول مؤتمن حيث تقول السماء بأن الرسالة أو الكتاب (تبيان لكل شيء) والرسول ( ما ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى ) ، فخلف فينا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ، أهل بيته هم عِدل الكتاب وترجمانه و التجسيد لسنته وهم الذين طهرهم الله من الرجس ، فهم والكتاب باقيان لا يعتريهم العدم ولن يفترقا حتى يردا عليّه الحوض (ما أن تمسكتم بهم لن تضلوا بعدي )،أذن الذي شرعه علام الغيوب و يوّصِي به من هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، يبين لنا كيف نحيا في عالم الدنيا ولا نضل 0 وهذه من قيمنا الحضارية التي نضعها في برامج تربوية عملية يومية ،وهي من علامات ديمومة الأمة حيث تبقى وتحترم الأمم بصحة وسلامة معتقداتها ورقي بناءها الثقافي0أذن لدينا من أسباب الحصانة الثقافية ما يؤمن المجتمع من الضلالة و يحفظ تماسك البني الاجتماعية فيحول دون تفسخ وضياع وحدتنا 0أنّ منظومتنا الحضارية في زمان غيبة الإمام ( عجل الله تعالى فرجه الشرف ) أوصت بأن لا نأخذ أسباب معرفتنا من كل من ادعى العلم ممن تربى بشريعة صهيون ومن ندما الملوك و وعاظ السلاطين وبالتالي تكون آليات بناء الشخصية الثقافية والأمن الثقافي منحرفة خاطئة ، بل رسمت لنا طريق الهداية وهو ما تضمنه قول الإمام سلام الله عليه (( وأما من كان من الفقهاء حافظاً لدينه،صائناً لنفسه ،مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه ))على الأمة أن تسلمه الزمام وتلقي إليه بمقاليد القيادة، وهذا ليست أمر نظري يدخل إلى عالم التطبيق أو لا يدخل ، بل أمر فعلي تطبيقي وهو قيادة عامة للمجتمع والأمة، ومن فروعه إنشاء دور الدرس والتدريب وتخريج الكوادر الميدانية ووضع مفردات المنهج التربوي الثقافي بما يحصن المواطن والمجتمع 0 نحن غير منغلقين ونؤمن بحوار الحضارات وهي متداخلة وأن الثقافات تتلا قح فيما بينها فتلد حالة التطور المعرفي ونحن في نفس الوقت قادرين على فرز الصالح من الطالح ،لذا فأن الأفكار والمبادئ المضلة المستوردة والثقافات المنحرفة التي يتلقاها شبابنا من وسائل الإعلام هي أبداً ليس التجديد والحداثة والعصرنة بل عبارات خلابة فيها بريق كاذب صناعها يحرفون الكلم عن مواضعه بخروجهم عن الأصالة والقيم التي تبني الإنسان المفكر والعالم والأديب ويتبعون الباطل والشهوات ويفسرون الأمور بآرائهم القاصرة التي لا تصمد أمام الدليل والبرهان والاستدلال المنطقي, يرومون من وراءها تخلف الأمة لتبقى سوق لمنتجاتهم ، فهم يدسون الشبهة والمغالطات حول الدين والمذهب والأئمة والعلماء ، وهذه المغالطات لا تضر المجتمع المحصن كثيراً بل تدخل من نقاط الضعف كأن تداعب رغبات الشباب الشهوية أو الشباب المهزوز عقائديا وفكريا ،أن الإهمال المتعمد للجانب التربوي والثقافي أتعب الأمة وجرها للمسير في دروب تضيع فيها مواقع الأقدام ولم تحصد من ذالك غير ثغرات كبيرة في بناءها الحضاري 0 أن مشروع بناء الإنسان ثقافيا وتسليحه عقائديا من أولويات الأمم فهو يسبق أو يوازي بناء المرتكزات الحياتية الأخرى مثل البناء الصحي والبناء العسكري ولذا ينبغي الالتفات إلى تقويم الاعوجاج وتنمية الأسرة والاهتمام بالمناهج الثقافية وتوفير وسائل إيصالها إلى المتلقي وإنشاء المراكز الثقافية ، لأنه يشكل لبنة بناء المجتمع( الإنسان ) وعلية تقع مسؤولية إعمار البلاد ، وهذا ما تنبه له قادة الفكر المؤمنين بأهمية بناء الإنسان فكرياً الذين ترشحهم كفاءتهم فيصبحون قريبين من قلوب وضمائر أبناء مجتمعهم وهم ولله الحمد بين ظهرانينا فيمارسون عملية التثقيف من خلال سلوكيتهم إضافة إلى محاضراتهم وكتبهم المتنوعة مما يزيد من مسؤولية المتعلم والمتلقي حتى يتحصن فكرياً ويساهم في بناء المجتمع والدولة 0
https://telegram.me/buratha