خضير العواد
لقد عاش العراق مابين 1968 و 1991 في أتعس مرحلة في حياته السياسية , حيث تربع على سدة الحكم مجموعة حفاة من كل شئ لا يملكون إلا البطش والإجرام , فأدخلوا العراق في أسوء ظرف يمر بهذا البلد الذي يمتلك من الطاقات البشرية ما لا تملكه كل بلدان المنطقة والعدو يشهد بهذا قبل الصديق , وقد ترك المفكر العراقي بصماته في كل الفروع الأدبية والعلمية , والتاريخ حافل بالأسماء التي يقف لها المثقفون في كل مكان إجلالاً وإحتراماً , ولكن بعد وصول حثالة البعث الصدامي الى مصادر القرار الحكومي حتى أخذوا بإضطهاد الشعب العراقي وخصوصاً المفكرين وجعلوهم أما يقبعوا بالسجون المظلمة أو يقفوا شامخين على منصات الإعدام والمحظوظ منهم قد عبر الحدود ليبدأ بمشوار الغربة القاتلة ,أما العراق فأصبح أحزن بلد على ظهر هذه المعمورة وخصوصا وقد دُفع الى حرب طاحنة مع الجارة إيران من قبل الذين لم ولن يحبوا الخير للعراق والعراقيين , ومن ثم غزو الجارة الكويت لكي يهرب النظام الصدامي من مشاكله الداخلية والإقتصادية التي سببتها حربه الأولى مع إيران , فقد نتج عن هذا الغزو ألاف القتلى من الجيش العراقي الذي لم يستطع بعد شفاء جراحه من الحرب السابقة , وبعد هذه الكارثة التي سببها غزو الكويت خرج الشعب العراقي منتفضاً بكل طبقاته من زاخوا الى الفاو إلا أربع محافظات لم تشترك بهذه الأنتفاضة العظيمة التي أدهشت العالم وأرعبت النظام البعثي الصدامي الذي أخذ أزلامه يهربون من سوح المجابهة مع الشعب الثائر , الذي لم يكترث بسلاح وجرم الصداميين فقتلهم أشر قتلة وهز العرش العفلقي وأخذت المحافظات تُحرر من قبل الثوار واحدة تلو ألأخرى ولم يتطلب الأمر إلا ساعات قليلة, فخلال أيام منذ أنطلاقها في ليلة النصف من شعبان المجيدة 5-03-1991 من أرض البصرة الفيحاء حتى وصلت الى كربلاء خلال يوم أو يومين ومن كربلاء الى المحمودية التي تبعد عن بغداد 20 كيلوا متر , فأصبح العراقيون قاب قوسين أو أدنى من إسقاط النظام الصدامي والجميع يترقب ساعة السيطرة على بغداد التي كانت عبارة عن مدينة يصعب التحرك بها بسبب كثرة أنتشار القوات الخاصة الصدامية التي تعطي الولاء لصدام بشكل كامل وعلى الرغم من ذلك تحرك الشعب في الكاظمية ومدينة الصدر ولكن بسبب الكثافة الهائلة للقوات الخاصة التي لم تعرف الرحمة قط فقد أنتهت هذه التحركات بشكل سريع ودامي , ولكن بالرغم من معنويات الثوار وسيطرتهم على كميات كبيرة من السلاح وتحريرهم لأغلب مدن العراق لم يكن هذا كافياً لخلو الساحة من القيادات الميدانية فهذا أثر تأثيراً كبيراً على مسيرة الأنتفاضة , بالإضافة الى إعطاء الضوء الأخضر لصدام حسين من قبل الأمريكان بضرب الإنتفاضة وهذا القرار الأمريكي كان مدعوماً من جميع دول الخليج خوفاً من سيطرة الأغلبية (الشيعية ) في العراق على الحكم , فلهذا ضغطوا على الأمريكان بدعم صدام في ضرب الإنتفاضة بقوة , ولكن المنتفضين لم يعطوا مدنهم بسهولة بل دافعواعنها دفاعاً مستميتاً وأعطوا ألاف الشهداء من أجل إنجاح الإنتفاضة , ولكن غياب القيادة وإنعدام التنظيم وعدم تواجد الدعم العسكري والسياسي والإعلامي أدى الى فشل الإنتفاضة في تغير النظام الصدامي في العراق , ولكن هذه الإنتفاضة أضعفت صدام وحزبه الشيفوني وقد جعلت الناس تكسر حاجز الخوف الذي بناه صدام لعشرات السنيين بأجهزته القمعية التي يقل نظيرها في العالم وبأحكامه التعسفية التي لم يشهدها العالم من قبل , فكانت بحق إنتفاضة عظيمة غيّرت من مجرى الحكم في جميع الدول العربية وشجعت باقي الشعوب للإحتذاء بها وبالفعل فالبذرة التي زرعت عام 91 في العراق أتت ثمارها وجعلت الشعوب العربية تخرج الى الشارع منتفضة على أنظمتها الدكتاتورية بعد أن رضخت وأستسلمت لها لمئات السنين ولكن الفارق مابين التجربتين غياب الدعم بكل أنواعه وخصوصاً الأعلام عن إنتفاضة العراق مقارنة بالثورات العربية التي لعب بها الإعلام دوراً مهماً وأساسياً في قيادتها ودعمها , ولكن نتائج الإنتفاضة الشعبانية أكثر أهمية ودقة لأنها البذرة الحقيقية التي أسست التغير والنظام الديمقراطي في العراق والتي ستؤسسه في جميع بلدان الوطن العربي .
https://telegram.me/buratha