حمودي جمال الدين
اطلّ عليينا وزير خارجية النظام السعودي, وفي حديث متلفز سمج مقزز ومستفز لشعور أي وطني عراقي, يستمع اليه وهو يهز رأسه يمينا وشمالا بلا هوادة, وكأنه يلقي علينا بلاغات وفرمانات, وما على العراق إلا الرضوخ لمشيئتها واستيعابها وتطبيقها حرفيا بغير نقص, كما وردت من المصدر,وكان يدغمها بشروط ولآت تذكرنا بلاآت عبد الناصر الثلاث في مؤتمرات القمة العربية التي أعقبت نكسة حزيران 67.فعلى العراق اذا أراد ان يعقد القمة العربية على أرضه, ما عليه إلا ان يمتثل لهذه الشروط الثلاث ,التي وردت في المؤتمر الصحفي للوزير الهمام ومن معه من جوقة الطبالين.وكان أول الفرمانات ,يدور حول العلاقة مع إيران, وهو بيت القصيد, لكنه لحفّهُ بالقضايا المتنازع عليها قديما بين الإمارات العربية وإيران حول الجزر العربية الثلاث , إلا ان المضمون من طرح هذا الشرط, هو تحيًد علاقة العراق بإيران, لو سعى فعلا للالتحاق بآلامه العربية وركبها .إما الفرمان الثاني بخصوص الاحداث في سوريا والبحرين ,والذي يفهم منه وبغير لبس ولف ودوران, انه على العراق ان يبتعد أو يقطع علاقته بهاتين الدولتين ويترك السعودية وقطر والدول التي تأتمر بأمرهما يعيثون بهاتين الدولتين تنكيلا و فسادا وحسب رغباتهم وتوجهاتهم الطائفية المشبوهة .لكن الامّرْ والأتعس من كل ذلك ,هو ان يفرضوا على العراق وعلى حكومته, بان يُجملوا صورتهم ويُحسنوا من زينتهم وان يصلحوا جبهتهم الداخلية حتى يتسنى لهم عقد القمة العربية على أرضهم, وإلا سوف لن يلتئم شمل هذه ألامه , و بهذا المؤتمر المزعوم ما لم يعقد مؤتمر وطني ومائدة للمصالحة بين كل الأطياف المتصارعة على السلطة.هذا طرح موضوعي ولبيب لا تثريب عليه لو اتخذ جانب النصح والإرشاد المخلص لكن عندما يتسم بالإملاء ويقرن بين انعقاد مؤتمر للقمه العربية مع ما يماثله من مؤتمر للمصالحة الوطنية العراقية.فهذا تدخل فاضح مشين بشأن سياسي داخلي صرف , ويعطي فحوى مغاير لنواياهم المعلنة, من عقد المؤتمر في بغداد , لكون اغلب الشروط التي طرحوها تعجيزيه وعسيرة المنال والهضم العراقي , وبالأخص مسألة الصراع السياسي الداخلي الشائك, والذي لن يلتئم ويصطلح طالما ظلت تتفاقم يوما بعد أخر أزمات الثقة بين المتصارعين وتختلج النوايا بالضغائن والأحقاد بين الفقراء المتنافسينهذه ألنزعه الاستعلائية المتغطرسة والنظرة الدونية التي يرمقها النظام السعودي للعراقيين,, ما هي إلا سجية جبل عليها هذا النظام ابتداء منذ تأسيس دولته إلى يومنا هذا, والتي تدلل بشكل لا يقبل التأويل, مدى تراكم الغل والحقد الذي يعتمل في قلوبهم وصدورهم, وما يضمروه في دواخلهم من نوايا سيئة مبطنه للانتقاص والطعن من هيبة العراق ومكانته الدولية ومحيطه العربي والإسلامي.ولو تتبعنا جذور هذا التعامل الفظ والغليظ, من قبل النظام السعودي للعراقيين, وذلك بالرجوع إلى التاريخ القريب ,وقراءة بعض من الصفحات السوداء التي أطّرت العلاقات السعودية العدائية والمشينة مع الشعب العراقي وحكوماته المتعاقبة, وانا اذكرها هنا بتجرد وحياديه بعيدا عن التحامل وإذكاء روح العداء والكره بين الشعبين.ففي 1801 م جرد السعوديون حملة بعشرين الف مقاتل على مدينة كربلاء ألمقدسه , وعتملوا السيف بأهلها وقتلوا الآلاف وسلبوا ونهبوا ممتلكاتهم وحفروا قبر الإمام الحسين بعد تهديم ضريحه. ولحقوها بحملة أخرى سنة 1807 على مدينة الإمام علي في النجف الشرف, ولكنهم فشلوا من الدخول إليها بعد حصارها , لكونها كانت مسورة, ولكنهم جهزوا جيشا قوامه ثلاثون إلف مقاتل لاحتلال بغداد ,إلا انه تراجع بسبب الاضطرابات التي حدثت في نجد تلك ألسنه ,لكنهم عاودوا الكره مرة أخرى في 1811 ووصلوا إلى ضواحي بغداد . كما غزوا مدينة ألبصره ولعدة مرات, وفي ا92 قامت قبائل نجد بعدة غزوات على الأراضي العراقي طمعا بالسلب والنهب من أهلها, وقد زاد من حدة العداء بين البلدين ,هو موقف العداء المستحكم بين العائلة السعودية وعائلة الملك الحسين ابن علي والتي ينحدر منها الملك فيصل الأول, مما أدى إلى تفاقم حدة الخلاف بين الدولتين وزيادة إعمال الشغب التي يصدرها النظام السعودي ضد المملكة العراقية, وفي بداية تأسيسها, لذلك ارتأى المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس, حل النزاع بين المتخاصمين وذلك بإقناعهم على ترسيم الحدود فيما بين الدولتين, ليجنب بعضهما بعضا من الاعتداءات المتكررة بين القبائل المتجاورة.وتحت الضغط البريطاني رضخ الملك عبد العزيز للحضور إلى مؤتمر العقير الذي عقد في 1922 بين الحكومات الثلاثة العربية السعودية والعراق والكويت والذي استمر لأكثر من ستة أيام دون ان يتوصل الطرفان العراقي والسعودي إلى أي اتفاق حول ترسيم الحدود بينهما, إذا كل طرف كان يطرح تصوره عن حدود بلاده في داخل حدود البلد الأخر, مما يؤدي إلى التداخل بين الحدود ودون إن يفضي الاجتماع إلى أي نتيجة مرجوة . إلى ان تدخل المندوب السامي السير برسي كوكس مباشرة بالأمر بين الطرفين .وينقل لنا صورة هذا المؤتمر وما تتخلله من مفاجآت محزنه الضابط السياسي البريطاني المقيم في العراق الكولونيل هارولد دكسن في كتابه المعنون الكويت وجاراتها حيث كان مرافقا للمندوب السامي العراقي آنذاك إذ يقول (و في صفحه 281 من الكتاب ان السير برسي هدد ابن اسعود ووبخه وكأنه تلميذ وقح فاخذ ابن سعود يتوسل إليه ويقول له انه أبوه وأمه وانه هو الذي صنعه ورفعه من لاشيء إلى ألمكانه التي يحتلها وانه على استعداد لان يتخلى عن نصف مملكته بل كلها إذا أمر السير برسي كوكس).( وعلى اثر هذا الاجتماع اخذ السير برسي قلما احمرا,ورسم بعناية فائقة على خارطة للجزيرة العربية خطا للحدود ,من الخليج العربي إلى جبل عنيزان القريب من حدود شرق الاردن) ويسترسل المؤلف في كتابه (انه في الساعه التاسعة من ذلك المساء حدثت مقابله مدهشه فقد طلب ابن اسعود مقابلة السير برسي كوكس على حده وصحبني السير برسي معه فوجدنا بن اسعود واقفا وحده وسط خيمة الاستقبال بادئ الاضطراب وبادر ابن اسعود السير برسي كوكس, قائلا بصوت كئيب, ياصديقي لقد حرمتني من نصف مملكتي ,والأفضل ان تأخذها كلها وتدعني اذهب إلى المنفى, وظل ذلك الرجل العظيم واقفا رائعا في حزنه, وانفجر باكيا وتأثر السير برسي كثيرا وامسك بيد ابن اسعود واخذ يبكي هو الآخر والدموع تنهمر على وجنتيه ولم يكن حاضرا ذلك اللقاء سوى نحن الثلاثه) .إنا لست متحاملا على السعودية وما أردت ان انكأ جراح الماضي القريب متقصدا لولا الوقائع التي يثبتها لنا تاريخنا مع هذه ألدوله ألجاره, وكيف تحاول التلاعب في شئننا الداخلي, و تفرض علينا أنظمة وحكومات على هواها وتُفصلّها على مقاساتها وأمزجتها واغلب الخراب والهتك السياسي الذي تعاني منه منطقتنا يتسلل ألينا من جارة السوء هذه ,عندما تضع إصبعها وتلف حركات التحرر الوطني التي اجتاحت المنطقةالعربية على موجتها وبوصلتها الخاصة.فنظام صدام بعد احداث الكويت وانتفاضة الشعب العراقي في 1991, تهاوى وأوشك على السقوط لولا الجرعة المنشطة التي زرقته بها المملكة السعودية وبقية الدول السائرة بركابها, فاستقوى عوده وصلب وتعزز وجوده لأطول فترة ممكنه , عندما أخطئت هذه المملكه بقراءة تلك الصفحة التحررية من تاريخ العراق وصّورّتها للآخرين بانها انتفاضة شيعية بحته وإنها امتداد لدولة إيران الاسلاميه وهذا في منظورها يخل بالتوازن الطائفي والإقليمي في المنطقة والتي تحرص على بقائه متماسكا ومنذ مئات السنين.ولعبت بنفس الدور على الحركة التحررية في البحرين, وأجهضتها بالقوة المسلحة ,من خلال تدخلها العسكري السافر, متعذرة بنفس الحجج الواهية ,على إن إيران كانت وراء هذه الحركة, في حين ان,,,لجنة تقصي الحقائق الدولية أكدت على ان لا تدخل إيراني في الإحداث والاضطرابات التي شهدتها البحرين,,, وبذلك ردّتْ كيد السعودية وبعض الدول الخليجية التي وائمتها بهذا التصور.وليس بخافي على احد, كيف استطاعت هذه ألدوله من ان تقوض الثورة الشعبية اليمنية, التي استمرت لأكثر من عام كامل للاطاحه بدكتاتورية علي صالح ,وبناء نظام ديمقراطي تعددي واضح الأهداف والمعالم ,من خلال الشعارات واللافتات التي كان يرفعها المنتفضون من الشباب اليمني الثائر,لكنها لم تجد غضاضة في تحريف مسار الثورة لصالحها ,وتبقي على الحرس القديم ورموزه السياسية بحجة الانتخابات الصورية التي ابتدعتها, كي يبقى هذا النظام تابعا ذيليا لا ينفرط عقده عن توجهات المملكة وهيمنتها السياسية على مجمل الجزيرة العربية والمنطقة .وما ربيع الثورات العربية التي اجتاحت المنطقة العربية وأنقذتها من براثن الدكتاتوريات الاثريه, وهي تشرئب الأعناق إلى فضاء آت أرحب واسع صدقا وأماننا في البناء السياسي الديمقراطي التحرري , لكن نوايا السوء العابثة بمقدرات الشعوب أوغلت يدها للي هذه الثورات إلى مسارات بعيدة كل البعد عن الأهداف والتطلعات التي اندلعت من اجلها, حيث استحال هذا الربيع إلى خريف سلفي متزمت مغلق متحجر أحلك سوادا وقتامه من أنظمتهم السابقة.وها هي تلعب نفس الدور الفج والمشبوه والمناوئ لاماني الشعب السوري ,في كيفية اختيار النظام الذي يرتئيه ويحقق له أمانيه وتطلعاته من دون تدخلاتها هي والقزم الآخر قطر وبقية الركب الراقص على أنغامها .ونحن بانتظار ان يلتف هذا الربيع على عروشهم الخاوية ,ويرد السهام التي يطلقوها على الآخرين إلى نحورهم ,وما يحدث داخل دولهم سواء على المستوى الشعبي ونهضته, أو على مستوى التنافر والخلاف العائلي على الكراسي, والاقتتال المبطن على تقاسم ثروات شعوبهم ,كله جلي وواضح , إلا ان التعتيم الإعلامي المهيمن, يمنع تسريب أي معلومة وخبر بهذا الخصوص, ولكن يومهم ليس ببعيد وسيلتحقون جميعا بقطار الركب العربي الصاعد .
https://telegram.me/buratha