جواد ابو رغيف
يتفق المؤرخون والباحثون على أن الانتفاضة بدأت من مدن جنوب العراق وتحديداًً مدينة البصرة بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت وتدمير آلياته من قبل القوات الأمريكية الأمر الذي اضطر الجنود العراقيين للعودة سيراً على الأقدام إلى العراق وعلى اثر هذا قام أحد الجنود العراقيين في فجر الثاني من أذار من عام 1991 بإطلاق النار على تمثال للرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وانهال عليه بالشتائم والسباب وكان هذا في ميدان يدعى ساحة سعد في البصرة لتنطلق شرارة الانتفاضة الشعبية التي سرت بسرعة كبيرة جداً في أنحاء العراق وبحلول الصباح كانت الاحتجاجات تعم محافظة البصرة والهارثة والدير وبدأ الثوار باستهداف مراكز الشرطة ومعسكرات الجيش العراقي في المدينة وخلال يومين فقط عمت الانتفاضة أغلبية مناطق العراق الأخرى ومنها ميسان والناصرية والنجف وكربلاء وواسط والمثنى والديوانية وبابل وديالى والأنبار والموصل وسامراء وسرعان ماوصلت إلى مدن شمال العراق دهوك، سليمانية، أربيل وكركوك وفي ظل هذه الأوضاع المتأزمة بدأ النظام باستخدام أساليب القمع كافة لإيقاف الانتفاضة واستخدام طائرات الهليكوبتر التي أرسلتها أمريكا للنظام بحجة نقل الجرحى والمصابين من الكويت إلى العراق إلا أن النظام استخدمها بقصف المدن وإيقاف الانتفاضة ووصل الأمر بالسلطة لاستعمال الأسلحة الكيمياوية ضد المواطنين بدا الآلاف من العراقيين بالخروج إلى الشوارع وترديد أهازيج تندد بالنظام وتدعو لإسقاطه وقام البعض بالتوجه نحو مراكز الشرطة والمباني الحكومية وإخراج من كان فيها من السجناء الأبرياء والاستيلاء على مخابئ الأسلحة الصغيرة وسيطر المنتفضين على 14 مدينة من مجموع المدن العراقية الثمانية عشر وهنا بدأ القتال المسلح وبدأ كل من يمتلك السلاح بحمل سلاحه والخروج للقتال وقد وصل القتال إلى ما يقرب كيلو مترات قليلة عن مدينة بغداد العاصمة التي كانت تتركز فيها مباني الوزارات ورئاسة الجمهورية وكان لدى المنتفضين قناعة تامة بان القوات الأمريكية وقوات التحالف التي كانت متركزة في الكويت ستقوم بمساعدتهم للإطاحة بالنظام ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل فقد امتنعت القوات الأمريكية عن تقديم العون للثوار وبدأ هنا النظام بالقصف العشوائي والقبض ثم إعدام من يُعتقد انه قد شارك في الانتفاضة فدمرت الكثير من المدن وسويت بالأرض وقُتل ما يزيد عن (300) الف شخص في الجنوب العراقي وحده خلال ال14 يوما التي هي عمر الانتفاضة إذ عمد النظام إلى استخدام كافة السبل لاسترداد نظام الحكم باستخدام كافة الأسلحة. كان حسين كامل، وبإمرته فرقة مدرعة ووحدات متفرقة من الحرس الجمهوري والحرس الخاص وعناصر من الأمن الخاص وبقايا المخابرات والأمن العام وعدد من المرتزقة الحزبيين، وكان هو الذي يقود الهجوم على كربلاء وكان له كلمة شائعة على ألسن الناس وهو يقف أمام ضريح الأمام الحسين بن علي بن أبي طالب قائلاً "أنت حسين وأنا حسين كامل" وكان يصدر أوامر مشدّدة إلى قواته بتدمير البيوت وقتل السكان. ورداً على المقاومة العنيفة للثوار ومقاومتهم ألقى حسين كامل القبض على المئات من شباب كربلاء فأعدم بنفسه الكثيرين ورمى الأحياء في مقابر جماعية في الرزازة وأخرى في منطقة الحر قريباً من مرقد "الحر بن يزيد الرياحي"، ولما توغلت القوات داخل المدينة أخذت تترك ورائها آثار دموية مروعة، جثث وحرائق وخراب واقتحامات للبيوت ونهب محتوياتها ودبابات تتفجر القذائف بداخلها وسط الأحياء السكنية مما اضطر بعض الثوار إلى الاعتصام داخل مرقد الإمام الحسين، فأمر حسين كامل بتوجيه مدافع الدبابات والقاذفات R.B.G7 إلى الصحن الشريف وقد هدمت الدور الواقعة حول الصحنين الشريفين، صحن مرقد الإمام الحسين وصحن مرقد أخيه العباس "عليهما السلام" على من فيها وبقيت الجثث أشهرا تحت الأنقاض! لقد كان حسين كامل يريد أن ينهي مهمة القتل والتدمير في كربلاء دون تأخير لكي يتجه نحو النجف الأشرف وقد أصدر من الأوامر والتعليمات ما يكفي لقتل أكبر عدد ممكن من أهل المدينة وإنزال الدمار بها وسوق الآلاف من شبابها إلى معتقلات الرضوانية في بغداد وما أن أنهى الأجزاء الهامة من خطته وتأكد له أن بقايا الثوار قد لجأت إلى البساتين المحيطة بكربلاء أمر بمطاردتهم بالدبابات والسمتيات وتوجه هو إلى مدينة النجف حسب الخطة الموضوعة التي اتفق عليها ليكون مع طه الجزراوي للانقضاض عليه قوات الحرس لجمهوري تصل إلى مشارف النجف
ثائر عراقي يرمي بنعله صدام حسين وبدأت قوات الحرس الجمهوري بالزحف الى مدينة النجف وبدأت في مناطق الاطراف شمال شرق المدينة باتجاه مثلث الحدود بين النجف والحلة وكربلاء حيث عبرت القوات نهر الفرات جنوب مدينة الكفل كان ذلك بعد ظهر يوم الثلاثاء 12 /3 /1991 وفي يوم الاربعاء التالي، وكانت اصوات قذائف المدفعية والدبابات تسمع في ارجاء المدينة من دون ان تطالها بسبب المقاومة التي ابداها الثوار .
الجيش يدخل النجف واخماد المقاومةدخل الجيش مدينة النجف من جهة شمال الشرق يوم الخميس (14/3) واسترجع المراكز الرئيسية على شارع الكوفة ووصل إلى جامعة النجف الدينية حيث كان السيد الشهيد الصدر وعائلته مع السيد محمد كلانتر وعائلته وبعض طلبة الجامعة يختفون في السرداب تحاشياً للقصف واعتقلوا جميعاً وسيقوا إلى منطقة الرضوانية في الضواحي الشمالية الغربية لبغداد حيث خصصت لاحتواء (المعارضة) ولم تنته المقاومة الا يوم الأحد (17/3) بعد أن هددوا باستعمال الغازات السامة في مركز المدينة وهددوا السيد الخوئي ان استمرت المقاومة حول داره فطلب من المجاهدين التفرق عن الدار وايكال الأمر إلى مديره واستمرت الطائرات السمتية (الهليوكوبتر) وهي تحوم حول منطقة بيت السيد الخوئي والصحن الحيدري وترمي بصواريخهاأسباب فشل الانتفاضة في الجنوبان عدم استمرار الانتفاضة الشعبانية في الجنوب وعدم نجاحها يمكن أن يكون لعدة أسباب فالانتفاضة كانت عشوائية شعبية بغياب القائد الذي يقود المجموعات على الرغم من وجود قيادات لمجموعات صغيرة في مناطقها وأسباب أخرى مهمة وهي إضفاء صبغة طائفية عليها عبر تسريب صور لمراجع شيعية من قبل جهاز المخابرات التابع لصدام وعدم وجود الاتصال وشبه انعدام للأعلام الحر الذي ينقل الحقائق، فضلاً عن عدم دعم القوات الدولية التي حررت الكويت للثوار .
https://telegram.me/buratha