خضير العواد
إن أئمتنا عليهم السلام مصدرهم ومنهلهم واحد فهم خزنة علم الله سبحانه وتعالى الذي أودعه لهم رسول الله (ص) , حيث يقول رسول الله (ص) (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فأليأت من الباب)..(1) وقال علي بن أبي طالب (ع) (علمني رسول الله (ص) ألف باب من العلم فتح لي كل باب ألف باب )...(2) ,وكل ما ملكه رسول الله (ص) من العلوم والصفات الحميدة قد ورثها أئمة أهل البيت عليهم السلام حيث يقول الأمام علي (ع) (أولنا محمد وأخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد فلا تفرقوا بيننا) ...(3) ,أي كل إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام يمثل رسول الله (ص) بكل ما متاز به رسول الله (ص) إلا النبوة وقد أبتلية أئمة أهل البيت عليهم السلام كما أبتلية رسول الله (ص) بطواغيت قومه كأبي جهل وأبي سفيان وأبي لهب وقال قولته المشهورة (ما أُوذي نبي مثل ما أوذيت)...(4) , وفي هذه الأيام نحتفل بمولد الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (ع) وهو الإمام الحسن بن علي العسكري(ع) الذي ولد في الثامن من ربيع الثاني في سنة 232 هجرية وأستلم الإمامة عام 254 هجرية بعد وفاة والده الإمام الهادي (ع) وأستمرت إمامته خمسة سنين وستت أشهر وقد عاصر عدت ملوك من بني العباس كالمعتز والمهدي والمعتمد وقد أستشهد الإمام في زمن المعتمد بعد أن دس السم إليه سنة 260 هجرية وبعد وفاته تولى الأمامة إبنه الإمام الحجة روحي وأرواح العالمين لمقدمه الفداء وبعد توليه للإمامة بدأت غيبته الصغرى . الفترة التي عاشها الإمام العسكري عليه السلام من الفترات الخطرة التي مرت بها الإمة الإسلامية بسبب تلاقي الحضارات الشرقية والغربية مع الحضارة الإسلامية وما يسبب من تناقل الأفكار و الأراء التي تكون بعيدة عن التعاليم الإسلامية بالإضافة الى بعد الملوك في تلك العصور عن الدين وتعاليمه ولم يهتمون بهذا الأمر قط لأن الذي يشغل عقولهم هي ملذاتهم ورفاهيتهم ,فأخذت الأمة تتلاطم بها العقائد والأراء الشاذة لولا سفن النجاة الذين منَّ الله بهم علينا فيرفعوا الشبهات وبينوا الحق وأعادوا الأمة الى الطريق القويم, ففي زمن الإمام العسكري (ع) حاول الفيلسوف إسحاق الكندي تأليف كتاب متناقضات القرأن معيباً على كتاب إلله تعالى بأن فيه تناقضات فشغل نفسه بذلك أشهراً ووصل الخبر الى مسامع الإمام (ع) فتأثر لذلك لأنه لايستطيع أن يصل الى الكندي لبعد المسافة والحصار الذي ضربه حوله بني العباس , فصادف يوماً أن حضر عند الإمام العسكري (ع) أحد تلامذة الكندي فقال أبو محمد (ع) (أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عما تشاغل فيه ؟ فقال التلميذ :نحن تلامذته كيف يجوز منا الإعتراض عليه ؟ فقال الإمام (ع) (أعلمك كلاماً تقوله له وتجعله بصيغة سؤال حتى لايتصوره أعتراضاً منك فما تقول؟) فقال التلميذ نعم , قال الإمام (ع) ( أذهب إليه وقل له عندي مسألة أسألك عنها ثم قل له إذا جاءك أحد وقال لك إني أفهم من كلمات وآيات القرأن فهماً غير الفهم الذي أنت تستفيده منها أيجوز ذلك؟ فإنه سيقول لك: نعم يمكن ذلك وعندئذ سوف يفهم المقصود من المعاني ولا يقتصر على معنى واحد , فذهب التلميذ وفعل ما أشار به الإمام (ع) وعندما سمع الكندي هذا السؤال تفكر في نفسه ورأى أن ذلك محتمل في اللغة وسائغاً فعرف المعاني التي دونها قد تنقض بمعاني أخرى محتملة ففهم أن مشروعه فاشل فترك الكتاب ومضى الى أموره الأخرى (5) ,وهكذا أبعد الإمام (ع) الأمة عن معلومات هذا الكتاب التي قد تدخلها في إشكالات كبير سيعاني منها المسلمون كثيراً, ومارواه الخاصة والعامة : أنه قحط الناس بسر من رأى في زمن الإمام العسكري (ع) فأمر الخليفة المعتمد الحاجب وأهل مملكته أن يخرجوا الى الأستسقاء , فخرجوا ثلاثة أيام متوالية الى المصلى يستسقون ويدعون فما سقوا , فخرج الجاثليق في اليوم الرابع الى الصحراء ومعه النصارى والرهبان وكان فيهم راهب فلما مد يده هطلت السماء بالمطر! وخرج في اليوم الثاني فهطلت السماء بالمطر ! فشك الناس وتعجبوا وصبوا الى النصرانية , فبعث الخليفة الى الحسن العسكري (ع) وكان محبوساً فأستخرجه من محبسه وقال : إلحق أمة جدك فقد هلكت , فقال الإمام (ع) إني خارج في الغد ومزيل الشك إن شاء الله , فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه وخرج الإمام الحسن (ع) في نفر من أصحابه , فلما بصر بالراهب وقد مد يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين أصبعيه ففعل وأخذ من بين سبابته والوسطى عظماً أسود , فأخذه الإمام العسكري (ع) بيده ثم قال له : أستسق الآن , فأستسقى وكانت السماء متغيمة فنقشعت وطلعت الشمس بيضاء , قال الخليفة المعتمد : ما هذا العظم يا أبا محمد ؟ قال عليه السلام : هذا رجل مر بقبر نبي من الأنبياء فوقع الى يده هذا العظم , وما كشف عن عظم نبي إلا هطلت السماء بالمطر , ثم قام الإمام (ع) يدعو الله تعالى في أن تمطرفأمطرت وأرتفع الشك عن قلوب الناس وزاد تمسكهم بالإسلام وبأبي محمد(ع)....(6) , وكانت الفترة التي عاش فيها الإمام (ع) من أخطر الفترات التي مر بها التشيع إذ ستنقطع الأمة عن إمامها الثاني عشر (عج) , فقد حاول الإمام العسكري (ع) على تهيئة الشيعة لهذا الظرف فقد أبقى وكالة عثمان بن سعيد العمري التي أعطاها له الإمام الهادي (ع) وقد قال الإمام الهادي(ع) في حقه (هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله وما أداه إليكم فعني يؤديه ) ...(7) وقال الهادي عليه السلام لأحد الموالين أيضاّ في حق العمري (العمري ثقتي فما أدى إليك فعني يؤدي وما قال لك فعني يقول فأسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون) وقال ألإمام العسكري (ع) فيه لشيعته ( وأشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأن أبنه محمد وكيل إبني مهديكم ) وقال عليه السلام لبعض أصحابه ( العمري وأبنه ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان فأسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان )..(8) وجعل الشيعة ترجع إليه في كل مسائلها وجعلهم يرتبطون به مخافةً عليهم من السلطان وكذلك جعلهم يتهيؤون للعيش بعيداً عن وجود الإمام بينهم لكي يتعودوا إستقبال غيبة الإمام الحجة (عج) , وبالفعل هيء الإمام العسكري (ع) الأمة لغيبة الأمام المنتظر (عج) وجعلهم يعيشون أجواء لم يتعودوا عليها قط مما جعلهم يبتعدون عن الأنحرافات والإشكالات العقائديةً ولم تظهر في فترة الغيبة الصغرى للإمام الحجة (عج) أي فرقة مشككة أو منحرفة ذات أهمية تذكر بسبب التدابير التي إتخذها الإمام العسكري عليه السلام لتثبيت الأمة على طريق الأسلام القويم , فسلام عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا .(1) تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى ص212 (2) إعلام الورى بأعلام الهدى-الشيخ الطوسي ج1ص267(3) بحار الأنوار- العلامة المجلسي ج26ص6(4) مناقب أل أبي طالب ج3ص247 ,كشف الغمة ج2ص537(5) مناقب أل أبي طالب ج3ص247 ,كشف الغمة ج2ص537(6) كشف الغمة ج2ص932,منهاج الصالحين للشيخ وحيد الخرساني ج1ص464(7) معجم رجال الحجيث السيد الخوئي ج12ص123(8) أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين ج2 ص47
https://telegram.me/buratha