السيد حسين الصدر
الاسئله الحائرةلو أنَّ الملايين من العراقيين الذين هم تحت خط الفقر ، كانوا ممن يُطّلون على كتب التراث والأدب ،لوجدوا فيها سلوة مما يعانونه من مخاضات صعبه وظروف خانقه .ليس الفقر ظاهرة طارئه ،وانما هي ظاهرة معروفة على أمتداد العصور والأزمنه ، ومنتشرة في شتى بقاع العالم وخاصة في ديارنا .فاغنى البلاد العربيه اليوم ،كانت الى الأمس القريب صحراء قاحلة ، قبل ان ينقلها ( الذهب الأسود ) من خندق الفقر المُدقِع الى خندق الترف والبطر .. !!لقد كاد الفقر ان يكون كفرا ومن هنا كثرت اللوحات الفنيّه التي رسمها الشعراء العرب عنه ، من خلال معاناتهم المرّة ، واصطراعهم مع سعار الحاجة والحرمان ان شاعراً مُملقاً رسم بريشته البارعة حالته فقال :ليس إغلاقي لِبابي أنّ لي فيهِ ما أخشى عليه السرقا انما أغلقتُه كيلا يرى سوءَ حالي مَن يَمُرُّ الطُرقامنزلٌ أَوْطَنَهُ الفقرُ فلو يدخُلُ السارقُ فيه سُرِقالم يكن اغلاقه لباب المنزل ،خشية من السرقه،حيث ليس فيه ما يُسرق ، وانما كان من باب ستر الحال عن عيون المارين في الطريق ، وبدلاً من ان ينال السارق منه شيئاً ،فقد يحدث العكس ،فلا يخرج منه الاّ مسروقا..!ولا شك ان غالب مَنْ هُم تحت خط الفقر في العراق اليوم ،هم أحسن حالاً من ذلك الشاعر المُملق صاحب المنزل الخاوي .ولكن السؤال الأن :كيف أصبح هذا الكم الهائل من العراقيين - (7) ملايين عراقي تحديداً - وهم قرابة ربع السكّان ، تحت خط الفقر ؟أين نفطهم اذن ؟أين ثرواتهم المعدنيه الأخرى ؟أين الوعود المعسوله بتأمين الحياة الكريمه ؟أين حقهم في أشباع حاجاتهم الضروريه ؟يوم كان الغزاة المستكبرون ينهبون ثروات البلاد وخيراتها ،لم يكن الفقر بالغريب ،لقد قال الشاعر العراقي حينها وهو يصف العراق :بَلَدُ يعيشُ به الدخيل مُنَعَّماً ويموتُ جوعاً مَنْ اليه ينتمي أما في ظل العراق الجديد ، عراق الحريه والانعتاق من كابوس الظلم والاستغلال ، فان الجواب ليس سهلاً اننا نعلم ان الدكتاتوريه البائده قد عاثت فساداً في البلاد والعباد ونعلم أيضا ما حلّ بالعراق جراء الاحتلال ،من أهوال وفظائع وتدمير للبنى التحتيه وتعطيل للمصانع والمعامل .ونعلم ايضاً ما حلّ بالقطاع الزراعي من كوارث ، بسبب شحة الماء ، ومشكلات الكهرباء .......ونعلم ايضاً بما صنعته آلة الارهاب من تدمير وتخريب ولكننا مع ذلك كلّه ، كنا نأمل ان تكون السنوات الثمان التي مرّت، كافية لأخراج المواطنين العراقيين جميعاً من عنق الزجاجه ، لو لم تكن الايدي الآثمه قد امتدت لتنهب - وبلا هواده - المال العام والثروة الوطنيه ، وما زالت المحنة مستمرة الفصول .....!!!هل يعقل ان (27) مليار دولار لم تكن كافيه للسيطرة على مشكلات الكهرباء ؟!!ومما يحز في النفس ان تكون عناية الكثير من المسؤولين بحماياتهم ، وتأثيث مكاتبهم ، أكبر وأعظم من اهتماماتهم بعلاج مشكلات الفقراء والبائسين ، مع أنهم انما وصلوا الى مواقعهم عبر أصواتهم ،وما لاقوه من معاناة في موسم الانتخابات من أجلهم !!ان تخصيص 60 مليار دينار للسيّارات المصفحه المعدّة للنواب هو أبرز الأمثله على ذلك !!لماذا فضّلوا أنفسهم على عامة المواطنين العراقيين ؟ولماذا لم يحسبوا لمشاعر المواطنين ، الذين وصل بهم التململ حدّ الجزع ما يجب ان يحسب من حساب ؟إنّ ابقاء المواطن مكشوفاً أمام كل التحديات الأمنيه ، وبكل ما تحمله من أهوال ومصائب - وتأمين الحماية لأنفسهم فقط ، مسأله فيها الكثير من الأثارة لأحاسيس المواطنين المتعبين ،الذين يُرجع معظمهم كلّ تلك الكوارث الأمنيه لأختلاف السياسيين فيما بينهم ، وصراعاتهم المستمره رغم هذه الظروف الصعبه التي يمر بها البلاد .إنَّ مشاريع الاسكان ، التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيره / خطوة صحيحة ومباركة ، وان كانت قد تأخرت كثيراً عن موعدها .ان هناك لوناً من الأضطراب في حساب الأولويات ان تقديم (المهم) على (الأهم) مرفوض في قواميس الحضارة والتنميه والاعمار ، فضلاً عن كونه مرفوضاً بالموازين العقليه والانسانيه ما معنى تخصيص الأرقام الفلكيه لملعب رياضي ، في ظلّ انعدام الماء الصالح لشراب العديد من اهل المدن والأرياف ؟!انّ الفقر الناشئ عن كسل صاحبه وخموله ، وانقطاعه عن مزاولة العمل لا يرتد جانبه السلبي الاّ على المهمل المقصّر ، ولكننا نسمع باستمرار مطالبة الفقراء والعاطلين عن العمل ، بايجاد فرص العمل المناسب لهم ، دون ان نلمس استجابة سريعه تتناسب مع مطالبهم .ومؤسف في هذا السياق ان نقول :ان غالب منظمات المجتمع المدني التي تدعي السعي لتخفيف الوطأة عن الفقراء ، اكتُشف أنها ( دكاكين ) لأقتناص الأموال ، لالأنعاش المحرومين ..!!ومعنى ذلك ان عمليات ( التزوير ) امتدت حتى الى الجمعيات الخيريه !!وان كان من الصحيح القول : ان الدولة مسؤولة عن تأمين الرعاية الاجتماعية لكل الفقراء العراقيين ، فان من الصحيح ايضاً القول :ان على الأثرياء والموسرين ان يكون لهم شرف الاسهام في هذا المضمار ايضاً .وهكذا تتعانق الجهود ، وتتواصل المساعي ، على كل الصعد والمستويات للخروج من نفق الفقر .
https://telegram.me/buratha