السيد حسين الصدر
ايثار العافية ، والنكوص عن المواجهة الساخنة للأباطيل والأضاليل هو دَيْدَنُ معظم الناس ..!!يستوي في ذلك القدماء والمعاصرون في عموم البلدان والاقطار ..!!وتسري هذه النزعة ، عابرةً للأديان والمذاهب والقوميات ، حتى يمكن القول بان الخروج عليها هو الاستثناء ومن هنا فانّ الأبطال الذين يملكون الشجاعة الفائقه قليلون ومن هنا أيضا استطاع هؤلاء الشجعان ، في ميادين المنازلة بالسنان واللسان ،ان يحتلوا مواقعهم المتميزه ومكانتهم الفريدة وكتبوا أمجادهم بمواقفهم الشجاعة .والشجاعة انما تحمد وتخلد ، متى كانت من أجل الدين والشعب والوطن والقضايا العادله ....أمّا اذا كانت في مواجهة الخصوم الشخصيين فهي قسوه ووقاحه ، وليست فضيلةً يُتغنى بها ..وكذلك هي ان كانت في مضمار مواجهة المنافسِين ، ذلك أنها تصبح من علامات النرجسية والذاتيه الممقوته ولا يعدم الباحث والمتتبع للأحداث والمواقف ان يجد ، وعبر امتداد الأجيال ، صوراً مشرقه تملأ النفس اعجاباً بأصحابها وتحمله على اجلالهم وأكبارهم والثناء عليهم .اننا مبتلون بأصحاب (العنتريات التي ما قتلت ذُبابة) على حد تعبير نزار قباني .ومعنى ذلك ان أدعياء الشجاعة كثيرون ، ولكنَّ فرسانَها ،للأسف الشديد، قليلون ..!!ويحسن بنا هنا ان ننقل ما رواه ابن خلكان في كتابه (وفيات الأعيان) - ج1 ص207 حيث ذكر ان الحجاج بن يوسف الثقفي خطب يوماً فقال :( ايها الناس ان الصبر عن محارم الله أيسرُ من الصبر على عذاب الله ، فقام اليه رجل فقال :ويحك يا حجّاج ما أصفق وجهَكوأقلّ حياءَك فَأَمَرَ به فَحُبِسَفلما نزل عن المنبر دعا به فقال له :لقد أجترأتَ عليّ فقال له :أتجتري على الله فلا نُنكره ،ونجترئ عليك فتنكره ؟فخلّى سبيله )حديث السفاّح الجلاد ،عن محارم الله ،مرفوضٌ بالكامل ، ذلك أنّه باجتراحه المحارم ، يعتبر أكبر المنتهكين لمحارم الله وايَةُ حرمة أكبر من أزهاق الأرواح والاستهتار بالدماء والأعراض والأموال ومواصلة الجرائم والعظائم بكل وقاحة وصلف ؟؟ان الحجاج هو الذي كان يخبر عن نفسه فيقول :" ان أكبر لَذَاتِه سفك الدماء "ومِثْلُ هذا الظلوم الغشوم ،لايحق له ان يلبس جُبة الواعظين ، وينهى الناس عن ارتكاب المحارم ،وهو غارقٌ الى شحمة أُذنيْه بالجرائم والمظالم ومن هنا كان الردّ عليه - مع ما اتصف به من صفات دمويه - موقفاً مغموساً بالشجاعة ، وعابقاً بشذا البطولة والانسانيه .....ومِثْل هذا اللون الباهر من الشجاعة ،هو الذي دفع الطاغوت لأخلاء سبيله والعفو عنه هذا في التاريخ البعيد أما في التاريخ القريب فان المرجع الخالد الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر -رض- ،ورغم ما اتسم به الدكتاتور البائد من دمويه وطغيان، لم يتردد في اصدار فتواه الشهيرة بتحريم الانتماء الى حزب العفالقه انها " ثورة " وليست "فتوى" ..!!وتكمن العظمه في أنّ الامام الشهيد الصدر ،حين أصدر فتواه، لم يحسب الا حساب (الرسالة) ،والانسانيه ،والشعب العراقي الجريح ،والوطن الحبيب النازف .لقد غابت " الذات " غياباً مطلقاً في تلك الحسابات .وهذه هي الشجاعة بأحلى صورها ومعانيها .شجاعه الموقف ، وشَجاعة نكران الذات .....ويبقى الفارق كبيراً بين الحجاج (الثقفي) وبين الحجّاج (العفلقي) المقبور ذلك ان الحجاج الثقفي ، اعتبر شجاعة الرجل المحتج عليه موقفاً لابُدَّ ان يثّمن ، لان صاحبه من الرجال ،أما الحجاج العفلقي فقد أصرّ على حرمان العراق ، والامة ، لا بل الانسانية جمعاء من قيمةٍ حضاريه كبرى، تمثلت بالامام الشهيد الصدر -رض- وكما قال الشاعر :وحجّاج العراق الوغد أنسىَ ألف حجّاج بفيضِ من دماء (الشعب) أرسى برجه العاجيوهكذا تبرز الحاجة الى الرجال الشجعان ،في العراق الجديد وهو يواجه المخاطر والمؤمرات عليه ،ودهاقنة الزيف والمكر،على كل الصعد والمستويات .ولن يصح في النهاية الاّ الصحيح .
https://telegram.me/buratha