نعيم كرم الله الحسان
عندما استفاقت اوربا وبدأت نهضتها العملاقة وعلى كل المستويات خلعت ردائها الكهنوتي وارتدت قميص العلمانية الفضفاض وادى تفكيرها السياسي الجديد الى الاطاحة بانظمتها الدكتاتورية العتيدة بعدما انزل توماس هوبز وجون لوك السلطة من السماء ليضعوها على الارض والحق ان اوربا التمست طريقاً واضحاً ودقيقاً واعتمدت في مفهومها الجديد على الدولة القومية ونجحت نجاحاً جعلها الان تعتبر امثولة العالم في التقدم والتنظيم والرقي المدني ولم تكتفي بذلك بل انجبت ابنتها الكبرى على غرارها والتي اسمت نفسها امريكا او العالم الحر او العالم الجديد .كان كل مفهوم انتجته العقلية الاوربية منسجماً مع مسار حضارتها وطموحها واهدافها .وكنا نحن حين ذاك تحت الخلافة العثمانية بعدما تخلى العرب السنة عن نظريتهم القائلة ان (الخلافة في قريش) اصبحت الخلافة تركية وعندما انتشر مفهوم الدولة القومية تحرك العرب انذاك لكي يتخلصوا من الخليفة التركي وليكونوا كيانهم الجديد تحت المفهوم ذاته وبدأت مراسلات الشريف حسين مع مكماهون الذي وعدهم بقيام الدولة العربية القومية وعلى عكس ما خطت اوربا وخططت نشأ المولود العربي مضطرباً لا يعرف اين يضع قدمه ومشوهاً فتارةً يبدو اسلاميا متشدداً الى حد ابادة الجنس البشري وتارةً يبدو علمانيا بأشد مظاهر العلمانية لكنها دكتاتورية قحة على طريقة العرب والحق ان الدكتاتورية العربية هي التي سادت بعد الخروج من المعطف التركي وبقيت الدولة القومية ليست على طراز اوربا الناجحة ولكنها دولة قمعية متخلفة وراكدة وضلوا طيلة قرن من الزمان ينادون ويستهلكون كل شيء بأنهم لديهم قضية اساسية وهي قضية فلسطين واهوموا الفلسطينيين ردحاً من الزمن بأنهم سوف يستردون بلدهم المسلوب بأسم القومية العربية الامر الذي ادى ان يصدق الفلسطينيون هذا الوعد المزعوم والحقيقة ان الحديث عن مدى تشوه فكرة القومية العربية واخفاقاتها لا يختصر بمقال لكنني سوف اضرب مثلاً لضطرابها .كان النظام البعثي في العراق يطرح نفسه بأنه ممثل القومية العربية ورائدها والمدافع عنها وانه سوف يحمي البلدان العربية من اي تهديد خارجي لكنه سرعان ما احتل الكويت وشرد اهلها وحكومتها واصطف العرب هذه المرة مع قوات التحالف الدولي لكي يخرجوا بطل القومية العربية من الكويت وكان من ضمن الذين ساهموا في التحالف جمهورية سوريا العربية وقاتلت الى جنب جيوشهم ضد القوات العراقية الغازية .ونرى اليوم ومن مفارقات خرافة القومية العربية ان يصطف النظام العربي التقليدي ضد النظام السوري لأزاحته عن الحكم في الوقت الذي يعتبر النظام السوري احد قلاع القومية العربية الذي ظل يدافع عنها طيلة وجودة وهناك شواهد لا تعد ولا تحصى على مدى الولادة الشوهاء للنظام العربي بعد خروجه من تحت عمامة السلطان التركي.
https://telegram.me/buratha