خضير العواد
لقد أستخدم الحكّام الدين ليحمون به عروشهم على مر العصور فمنهم من خلق الأديان وجعل نفسه الأله الذي يعبد وأليه يجب أن تقدم الطاعة, كما هو الحال في أغلب الديانات الوضعية ويظهر هذا جلياً بالحضارة البابلية حيث الأله نمرود وهو ملك شاب الذي تزوج من أمه وبعد وفاته أصبحت أله أيضاً بالإضافة الى والده بعل الأله , والفرعونية حيث تعتبر فرعون نصفه أله وأستمر هذا الحال في وضع القدسية للحاكم وجعله جزء من العبادة , ويتجلى هذا في هذه الأيام عند اليابانيين الذي يعتقدون بقدسية إمبراطورهم وكذلك البريطانيين أذ يعتقدون بأن الملكة هي رأس الكنيسة البروستانتينية , أما الدين الاسلامي فقد أعطى عنوان القدسية للحاكم عندما يكون ذلك الحاكم منصّب من الله سبحانه وتعالى أي قدسية الحاكم تبعاً لقدسية إلله جلَّ أسمه قال الله سبحانه وتعالى ( إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )..( 1) ويجب أن يطاع الحاكم لأن طاعته من طاعة الله قال سبحانه وتعالى (يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )..(2) أي قدسية وطاعة الحاكم تأتي من طاعة الله سبحانه وتعالى إذا كان الذي يختار الحاكم هو الله أي أن الحاكم الذي يختاره الله لا يعمل إلا بما يرضي الله ويبتعد عن الذي يسخطه أي أن هذا الحاكم يكون معصوماً عن الخطأ قال الله سبحانه وتعالى ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطرهكم تطهيرا)...(3) أي القدسية والولاية والطاعة لاتكن إلا للمعصوم عن الخطأ إذ يقول الله سبحانه وتعالى ( لا ينال عهدي الظالمين )....( 4) وهذه الأيات لا توافق إلا رسول الله (ص) وأهل بيته عليهم السلام الذين إختارهم الله سبحانه وتعالى للولاية والحاكمية , ولكن الأمة بعد وفاة الرسول (ص) أنقلبت عن الذي أختاره الله سبحانه وتعالى وأعطت له البيعة , فرضيت بالذي كانت خلافته فلتة وقى الله شرها ومن أعادها فقتلوه كما قالها من أجبر الأنصار بالسيف لكي يختاروا الخليفة الأول وهو الذي تلقفها منه بعد وفاته الذي قال له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) (إحلب يا عمر حلباً لك شطره أشدد له اليوم أمره ليرد عليك غدا)..(5), وبسبب إنقلاب الأمة على أمر ربها وأختارت هي وتركت أختيار الله فذهبت الطاعة والقدسية لأن الله أعطاهما للذي يختاره هو وليس الأمة لأن الدين هو دين الله والخلق عباده وهو أعرف بمصلحة خلقه وهو من وهب القدسية والطاعة , وقد ظهر ذلك جلياً في صدر الأسلام عندما كان كبار المسلمين يعترضون على أبي بكر والخليفة عمر وعندما تعدى الخليفة الثلث الخطوط الحمر للدين الأسلامي قدم كبار الصحابة لنصيحته وعندما لاحظوا عدم الأستجابة والعناد على الباطل , خرجت الأمة وأزاحته عن كرسي العرش بعد أن حاصرته وقتلته , وقد خرجت عائشة وطلحة والزبير وكذلك معاوية على ولي أمرهم والمنصّب من قبل رسول الله (ص) أي من الله سبحانه وتعالى قال الله سبحانه وتعالى ( وما ينطق عن الهوى , إن هو ألا وحيٌ يوحى ) ..(6) ولم يتقيدوا بأوامر الله التي تأمر بأطاعة ولي الأمر الشرعي الذي أخذ شرعيته من الله سبحانه وتعالى , ولكن بعد تولي بنو أمية الحكم أستعملوا الدين لكي يحافظوا به على عروشهم فربطوا ملكهم بملك الله وخلافته وهم الذين يحكمون بما تهوى أنفسهم وليس بما أنزل الله فساقوا الناس كالعبيد وتصرفوا بأموال الله فأعطوها لمن هوى ملكهم ومنعوها لمن تبع ملك الله فكذبوا على رسول الله (ص) عندما قالوا عنه ( يجب أطاعة ولي الأمر إن كان فاسقاً أو فاجرا ) لأن المسلمين الأوائل لم يعرفوا هذا الحديث ولم يطبقوه وهم الذي لم يطيعوا الخليفة في معصية الله سبحانه وتعالى كأبي ذر وعمار بن ياسر وسلمان وعبد الله بن مسعود وغيرهم , ومن الصحابة من عصى ولي الأمر الواجب الطاعة كما هو الحال مع عائشة وطلحة والزبير وحتى الذي خرج الحديث بزمان ملكه معاوية بن أبي سفيان فلم يعمل بهذا الحديث عندما خرج على ولي أمره علي بن أبي طالب (ع) , فقد عُمل بهذا الحديث مئات السنين والأمة نائمة بالعبودية للحاكم يتصرف بالمال والعباد كيف يشاء وليس هناك من يوقظ الأمة التي تركت طريق الهدى وتعقبت طريق الظلال الذي أوكسها في كل رزية وأبعدها عن الله سبحانه وتعالى ودينه القويم فعاشت في ظلام دامس , حتى بدأت الرجوع الى الدين القويم رافضةً طريق العبودية الذي رسمه الحكام لها فأنتفضت على الحديث الموضوع عن رسول الله (ص) فأرادوا الحكام السيطرة على الأمر من خلال علماء السلطان ولكن الشعوب العربية لم يبقى فيها صبر لكي تستمر مكبلة الأيدي للحكام فثار الشباب العربي في أغلب البلدان العربية محطمين القيود التي وضعها علماء الظلال المدعومين من حكام الجور وأسقطوهم من عروشهم التي سبحت بدماء الشرفاء من هذه الأمة المنكوبة بحكّامها , ولكن في هذه الأيام يريد حكام الظلال من أل سعود تكبيل الأمة وجعلها عبيدة الأحاديث الذي يختلقونها عن رسول الله (ص) لحماية عروشهم المنتصبة على دماء الشعوب وألامهم , فيصدرون تحريم المظاهرات والخروج على الحاكم لأنه ليس من الدين ؟؟؟, أي دين هذا , دين أل سعود أم دين الله , فدين الله قد جبر العبيد على أن لا يركنوا ويطيعوا كل ظالم عندما قال الله سبحانه وتعالى ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)..(7) وكذلك رسول الله (ص) حيث يقول ( أعظم الجهاد عند الله كلمة عدل عند سلطان جائر )..(8) و (إن الساكت عن الحق شيطان أخرس )..(9) فهذا هو دين الله يجبر الناس على المطالبة بحقوقهم المسلوبة وعدم الرضوخ للظلم , ولكن دين أل سعود الذين فصلوه على مذاقهم وشهواتهم الغاية منه أن يجعلهم مستمرين بحكم الشعب والسيطرة على ثرواته لكي ينهبوها ويصرفوها على ملذاتهم وشهواتهم الشيطانية , فقد أعاد أل سعود نظرية الحضارات السابقة من خلال أستخدام الدين لكي يعطي القدسية للحاكم وعائلته وكذلك حمايته بتعاليمه التي يضعها الحاكم لحماية ملكه , وبذلك يريد أل سعود أرجاع الشرك بالله والفرعنة حتى تبقى الأمة مسلّمة لحاكمها وراضخة لظلمه وهو يتستر بتعاليم دين خلقه لنفسه لم ينزل الله به من سلطان .(1) سورة المائدة أية 55 (2) سورة النساء أية 59 (3) سورة الأحزاب أية 33 (4) سورة البقرة أية 124 (5) المسترشد - محمد بن جرير الطبري ص375 (6) سورة النجم أية 3,4 (7) سورة هود أية 113 (8) سنن الترمذي ج3ص318, كنز العمال -المتقي الهندي ج3ص65 (9) وضوء النبي - سيد علي الشهرستاني ج1ص203
https://telegram.me/buratha