( بقلم : حسين ابو سعود )
جمعني واياه شارع ثم مقهى وفنجان قهوة وذكريات وآلام واشواق واحزان ، لقد تحادثنا كثيرا في الوطن وهموم الوطن فقال لي : ماذا افعل بوطن رفسني عندما كنت ابكي على بابه والقمني لسعات البرد في المنافي ، ماذا افعل بوطن ركل فيّ الطفل البرئ واخرج من بطنه الحيات والعقارب واودعني السجون الرهيبة ، واطلق عليّ البراغيث والصراصر والعناكب ، ماذا افعل بوطن مزق دفاتري ونثر ذكرياتي في الفضاء ، مزقني ومزق جسمي وطارت الغربان باحرف اسمي ، لم نموت ويحيا الوطن ، لنحيا نحن ويموت الوطن،وظل يرسل الكلام كالشعر حزينا فقلت له رويدك ايها المتعب ، لا تندفع كثيرا ، فاي القولين عندك افضل ، كلامك ام ما قاله الشاعر : بلادي وان جارت عليّ عزيزة ، اهلي وان شحوا عليّ كرام ؟فشهق شهقة اهتز لها سائر جسده واختنق بالعبرات وجرت دموعه سخينة من عينيه وصار يبكي بكاء الفاقدين، وقال : بل هذا الكلام افضل ، ولكن ماذا افعل ففي داخلي روح غريبة ونفسي نفس كئيبة ، وسنين العمر امام عيني تتناقص ورهبة الموت تتراقص ، وقدغرست قلبي ينبوعا على جانب الدرب ليغسل المارون فيه احزانهم، ثم ماذا افعل انه اليأٍس الكبير ، الياس من الناس والاحزاب و السياسيين والمليشيات والدول المجاورة وغير المجاورة ، قلت نعم يئست من هؤلاء ولكن هل يئست من الله ايضا ؟فقال : ولاييأس من روح الله الا القوم الكافرون .
فقلت له : لقد اخبرني قادمون من البقاع الحزينة ان هناك صبحا جميلا ينتظرنا خلف اسوار المدينة ، تتراقص حوله الفراشات واسراب من القطا ، وذلك الصبح الجميل يحمل في صدره الرحب الوانا من الاماني والوعود والهلاهل والزغاريد ، يتربع ذلك الصبح القريب على بساط اخضر تحمله اكف الاطفال ، فتعال نغني بصوت عال لذلك الصبح الجميل وبكل اللغات وننزع المخاوف والقلق من قلوبنا التي فقدت البريق والالق ، وننثر في دربه باقات من النرجس البري ، وانا مثلك حتى الامس فقد كنت اظن ان الحزن سرمدي حتى رايت الفرح وكنت اظن ان الليل لا نهاية له حتى بدد الصبح بتباشيره ظنوني ، فاي شئ يفصل بين الشتاء والربيع غير الامل الضاحك .
صحيح باننا قد تجاوزنا الخمسين وراحت زهرة الشباب الى غير رجعة ولكن الوطن سيقبلنا لو عدنا اليه على علاتنا بشيخوختنا وضعفنا وذبولنا ، سنرقص مع الفجر كثيرا وقبل ان تتبدد الالوان من رمال الصحراء ، ألا تستمع للضوضاء يتسرب مع الصبح من شقوق ابواب المنافي ويوقظ العصافير ؟ ، ألا تنظر الى رحابة الفضاء التي ستاخذنا على بساط واسع بهيج وتوصلنا بين غناء وبكاء الى دجلة والفرات والى المسكوف والشناشيل والبلم العشاري والى المراقد والاضرحة ، والى الكبّة الموصلية ولبن اربيل.
وعندما ان سمع صاحبي بالكبة واللبن نظر اليّ نظرة اعادتني الى احضان امي لكثرة ما فيها من حنان ، فبكينا معا وضحكنا معا وشر البلية ما يضحك وخيرها ما يبكي ، ثم سألته : ما تقول الان يا أخا العرب ؟ فقال صادحا : ميحانة ميحانة ، غابت شمسنا الحلو ما جانة ، حيك حيك بابا حيك ، الف رحمة لبيك ، هذوله العذبوني ، هذولة المرمروني وعلى جسر المسيب سيبوني .
وسالته مرة اخرى :من يموت اذن ويدفن في العراء بلا غسل ولا كفن؟ فقال : بل نموت نحن ويحيا الوطننموت نحن يوميا من اجل ان تعود الاشراقة الى وجه العراق.
ومازال الامل يحدوني في اختفاء مظاهر الاقتتال ويحمل كل منا وردة حمراء او بيضاء بدلا من البندقية ونطلقه شعارا موحدا:لنوقف هدم الوطن من اجل الاطفال . وتعال يا صاحبي ننزوي في زاوية دافئة ونقرأ معا رسالة وصلت للتو من العراق ، فقد تحمل اخبارا سارة .
https://telegram.me/buratha