( بقلم : باسم العلي )
ان النظام الديمقراطي وكما قال تشرشل هو افضل نظام حكم موجود على وجه الأرض ,بالرغم من كل سلبياته, لأنه يعطي ,في اكثر الأحيان, كل ذي حق حقه ويفرض المساواة والعدالة بين أفراد المجتمع الواحد. ان الدول التي تطبق وتعمل بمثل هكذا نظام هي أمريكا ,استراليا, نيوزيلندا ,كندا, بالإضافة إلى الدول الأوربية والتي قد وصلت من التقدم في كل مجالات الحياة مراحل متقدمة جدا قياسا بدول العالم الثالث . ان وجود هذا النوع من الأنظمة ليس مرتبطا بوجود شخص أو حزب أو حكومة, لأنه نظام حياة غير مرهون بأحد ومن هذا المفهوم يستمد شرعيته وبالتالي استمراريته وبقائه. هنالك في دول العالم الثالث نظم ديمقراطية مثل ما هو موجود في الهند, وهي اكبر ديمقراطية في العالم, أما نتائج مثل هذا النظام قد بدأت بالظهور, فها هي تعدو في طريق التقدم ومرشحة ان تكون دولة عظمى. أما في بقية أنحاء العالم فهنالك بعض التطبيقات الديمقراطية هنا وهناك. يوجد أنظمة ديمقراطية في بعض دول العالم الثالث ولكنها مستغلة من قبل لوبيات معينة التي لا تملك حسا وطنيا و لكنها تعرف مطاطية و فجوات مثل هكذا نظام وبالتالي كيفية النفوذ من خلال تلك الفجوات لتحقيق مصالح ذاتية تعود عليها بمكاسب كبيرة وكثيرة وكل ذلك باسم الديمقراطية والحرية الشخصية.. فنرى مثل هذه الأنواع من الديمقراطيات في أمريكا اللاتينية, أما في عالمنا العربي.. فنراها في لبنان. ربما سائل يسأل لماذا نجحت الديمقراطية وحققت تطورا سريعا ونوعيا في الدول المتقدمة ولم تنجح أو يحصل ذلك التقدم السريع في أمريكا اللاتينية!! والجواب وبالرغم من صعوبة الإجابة عليه يمكننا القول بأن المستغلين والمنتفعين الذين لا يهمهم إلا جيوبهم ومصالحهم الذاتية يحاولون ان يستغلوا أية فرصة أو ظرف لتحقيق أرباح طائلة وبأسرع وقت ممكن, والنظام الديمقراطي مناخ ملائم لهم في هذا المجال مما يجعل عجلة التقدم والتطور مرهونة بمصالحهم هم فقط. ان مثل هؤلاء الناس عندهم القابلية لدعم وتحقيق مصالحهم هذه حتى في الأنظمة الشمولية التسلطية فلهم طريقتهم ووسائلهم الخاصة بالتعامل مع كل نوع من أنواع الأنظمة الحاكمة: ففي النظام الديمقراطي تكون الحرية وحقوق الإنسان المطية التي يركبونها, أما مطيتهم في النظام الشمولي فالتملق والاستماتة في خدمة الحاكم والذي هو بدوره يحتاج إلى مثل هؤلاء الناس الذين يطيعونه طاعة عمياء والذين يبذلون الجهد الجهيد من اجل إثبات ولائهم له,وبما ان ممتلكات الدولة كلها تحت إمرته وأرادته فلا ضير من إعطاء الفتات لهم.ودخل الأمريكان العراق محتلين أو محررين ودكوا أبواب المتاحف ودوائر الدولة وسمحوا للناس ان يسرقوا الدولة ولم يكتفوا بذلك بل شجعوهم على ذلك وتركوا البلاد مفتوحة لكل من هب ودب من داخل وخارج البلد وحطموا كل البنية التحتية للدولة العراقية وبصورة خاصة القوى الأمنية فاصبح العراق (الغرب الأمريكي في أوائل وجوده).. الجميع يحمل السلاح أما لحماية نفسه أو لقهر الآخرين لإجبارهم على رؤية الأشياء حسب منظورهم أو لتسليبهم أموالهم, ولم يكتف الأمريكان بذلك فقط ولكن أعلنوا بأنهم سوف يطبقوا النظام الديمقراطي في البلاد ويعطوا الحريات للجميع.فماذا كانت نتيجة هذا؟ لا يوجد قوى أمنية وطنية عارفة بطبيعة العراق وطيفه العرقي والطائفي والديني, الجميع مسلح, لا يوجد للقانون تأثير أو سيطرة, القوى الأمنية الموجودة أمريكية بحتة وليس من اختصاصها ولا مسؤليتها السيطرة على أمن العراق ولكن مسؤليتها السيطرة على البلاد وعدم إفساح المجال لأحد ان يسيطر أو يدير البلد غير قوى الاحتلال أو التحرير. في ظل وضع مأساوي كهذا نشطت جميع القوى: تكفيرية, بعثية صدامية, طائفية, عرقية, موظفي دولة فاسدين, مجرمين محترفين, مجرمين هواة (والذين بمرور الزمن قرروا الاحتراف).. كل الذين أسلفنا ذكرهم و آخرين أدركوا ان الجو الديمقراطي الذي جلبه لهم الأمريكان ملائم جدا لتحقيق مآربهم, والسنين التي تلت الاحتلال أو التحرير ولحد الآن شاهد على نجاحهم الباهر في مقاصدهم.. كلنا سمع (بعد تشكيل القوى الأمنية العراقية) كيف يتعامل الأمريكان مع المجرمين الذين تلقي القبض عليهم القوى الأمنية العراقية بالجرم المشهود وبعد الاعتراف بجرائمهم تأتى القوات الأمريكية لتطلق سراحهم. مما مهد الطريق (في هذا الجو الديمقراطي) لخروج الأصوات مدافعة عن هؤلاء الخارجين على القانون وبكل أنواعهم و اصنافهم و اشكالهم. فهنالك وزراء وموظفين كبار بحماية هذا الحزب أو ذاك وهنالك مجرمين يلقى القبض عليهم بالمجرم المشهود وتدافع عنهم هذه المجموعة أو تلك, واصبح المجرمون بكل إشكالهم والوانهم متمتعين بكامل الحرية في التحرك وارتكاب الجرائم لان هنالك من يدافع عنهم ويخرجهم من أية مسائلة قانونية, مما جعل الحريات حكرا على هؤلاء المجرمين ولا حرية للأكثرية الساحقة من الشعب العراقي, واصبح كامل الشعب العراقي مهدد ومحروم ومظلوم وخسران وضائع وممتهن ومدان ومسلوب الإرادة بينما المجرمين أحرارا يتمتعون بكل ما حرم منه بقية الشعب العراقي.لقد عاش الشعب العراقي طيلة فترة وجوده وحضاراته تحت أنظمة حكم شمولية معظمها غاية في القسوة بحيث ان حب التسلط والطغيان اصبح سمة من سمات الثقافة العراقية وهذا يشمل الجميع من حكام وموظفين على مختلف درجاتهم الوظيفية وعلى مستوى المجتمع ككل وحتى في البيت... لقد تخلص العراق على التو من حكم استبدادي تسلطي قمعي همجي لم ينجوا أحدا منه عدا لاعقي الأقدام, وهم قلة قليلة من هذا المجتمع العراقي, فاصبحوا وبغير استحقاق وبحكم ارتباطهم العضوي مع الحاكم, وكما يدٌعون(أسياد البلد). فكيف ان يكون لهذا الشعب الذي قد تعود على نظام حكم يخاف الفرد فيه على نفسه من أولاده وأهله وأصدقائه وجيرانه من ان يخبروا السلطات الأمنية عن ما يمكن ان يتكلم أو يعترض به على السلطة اوالحاكم, ان ينتقل وبسرعة البرق إلى حرية مطلقة وبدون حساب أو رقابة أو سلطة.بعد كل ذلك أتسائل هل معنى ذلك بأننا لا نستحق الديمقراطية أو الديمقراطية الصحيحة لا يمكن تطبيقها في مجتمعات العالم الثالث!!ويكون جوابي بالنفي.. نعم نستحق الديمقراطية ويمكن تطبيقها في مجتمعات العالم الثالث, وديمقراطية الهند شاهد على ذلك رغم صعوبة مشاكل الهند والتي فيها فوارق طبقية جبارة وفيها فقرا مدقعا وقلة موارد نسبة لعدد نفوسها.. إذا ما لمشكلة ؟ المشكلة في التطبيق وليس في النظام نفسه. واحدة من أهم الأشياء التي يجب ان تتحقق في عراقنا المسلوب الإرادة هي ان تستعيد الدولة هيبتها لانه بخلاف ذلك يكون لكل من شكل مجموعة صغيرة من عشرة أو خمسة أفراد ان يكون حاكما أو أميرا على منطقة ما ويسيطر عليها.. وكما قال مندوب الجامعة العربية في العراق (لماني) في مقابلة نشرت في موقع صوت العراق الأخباري بان هناك في العراق مجا ميع مسلحة صغيرة متكونة من عشرة أشخاص كما ان هنالك مجاميع كبيرة.. فاصبح في العراق الجديد كل من له القابلية على القتل ان يشكل مجموعة مسلحة تعود عليه بأموال طائلة مدعيا الدفاع عن حقوق هذه الطائفة أو تلك وبالتالي فهو مقاوم.. فبذلك يريد هو ويراد له من الأحزاب والهيئات والمؤسسات التي برزت للدفاع عنه وعن حقوقه وحقوق جميع المجاميع الإرهابية بان لها الشرعية والحق في البقاء وممارسة أعمالها(من اجل التحرير). فلذلك وكما قلت سابقا ان أول خطوة لتحقيق الديمقراطية المنشودة هي إعادة هيبة الدولة ويجب ان يعامل جميع الخارجين على القانون بضراوة وبدون هوادة من اجل إخضاع الجميع إلى سلطة القانون.. لذلك يجب ان تستمر حالة الطوارئ ..ويفعٌل قانون مكافحة الإرهاب ( يوجد في الدول الديمقراطية قوانين لمكافحة الإرهاب اشد صرامة من القانون العراقي).. فمتى ما قضي على الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه وبوجود الممارسات الديمقراطية والحريات التي أقرت بالدستور ومورست.. يمكن بعد ذلك السماح إلى كل من يريد تشكيل معارضة من أي شكل أو لون أن يظهر للسطح وعلنا وبدون الحاجة إلى حمل السلاح والإرهاب وذلك مضمون له في الدستور والقانون. ان مقالتي اليوم هي عن الديمقراطية الجنين في بطن العراق والتي نحاول ان نحميها ونوفر لها الظروف الملائمة لكي تولد معافاة في ظل جو بالغ القسوة و الصعوبة لأن هذا الجنين مهدد من جميع الاتجاهات, والإجهاض وارد وربما لن تكتمل فترة نموه في رحم العراق.. ربما سائل لماذا هذا التشاؤم!! أنني لست متشائما ولكني واقعيا ومن هذا المنطلق لكي يعيش ويترعرع هذا الجنين يجب ان تُضمن له كل الظروف الملائمة لكي يلد سليما معافيا ليكون في خدمة البلد وليحافظ على حرية وكرامة الإنسان. لكي نوفر هذا الجو المناسب لنمو هذا الجنين يجب التخلص من كل من لا يعترف بحقوق الآخرين وكل من يريد فرض إرادته على الآخرين بالقوة. فلا مكان للمجرمين بكل أشكالهم والوا نهم وعلى رأسهم الإرهابيين والتكفيريين والبعثيين الصداميين والذين هم رمز وامتداد لكل ما هو شمولي فطريقتهم هي ان تحكم وتتسلط بالقوة والتهديد.. فأما ان تأتمر بأمري وإلا فان قتلك حلال و مالك حلال وعرضك حلال وعائلتك حلال.ما أروع واسهل وأحسن وأحلى الظروف التي يمر بها العراق لعمل هؤلاء الإرهابيين فهم يقتلون ويسلبون ويدمرون ويكون لهم بعد ذلك جميع الحقوق الإنسانية التي حرموا ضحاياهم منها. فيجب ان يعاملوا بكل لطف وعناية واحترام, فحقوقهم مصانة بالقانون يطالبون بها هم أنفسهم ويطالب بها لهم الكثيرين ممن يجدوا الديمقراطية حمارا لحمل وتمرير كل المؤامرات والتسلط الذي يراد بها ان يقهر الشعب العراقي, ولا يوجد هنالك حقوق للضحايا عدا ان يقال رحمهم الله. وفي ضل هذه الظروف ووجود العصابات المسلحة مستغلة هذه الديمقراطية وحقوق الإنسان فانهم يعملون كل ما هو مشين وبذلك يمتطون الديمقراطية كحمار يوصلهم إلى الحكم و أول قتلاهم بعد استلام الحكم سيكون ذلك الحمار الذي امتطوه ليوصلهم إلى سدة الحكم. أما إذا حاولت الحكومة ان تقضي على الفاسدين والذين يتلاعبون بأرواح وأعراض و أموال الناس والدولة يتبارى المتباكون والمدافعون عن هؤلاء المجرمين ويطالبون الحكومة ان لا تستعمل القوة المفرطة في السيطرة على الموقف وحماية المواطنين.. أي بمعنى آخر إفساح المجال للإرهابيين ان يهربوا أو يمارسوا أعمالهم الإرهابية بكل حرية وأمان وكل ذلك بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.ان الحرية التي يضمنها النظام الديمقراطي يجب ان تكون بالكلمة وليس بقوة السلاح فمن له رأي فليكتب ويتكلم ويتظاهر سلميا من اجل نشر فكرته ورأيه ولا يحق له ان يستعمل السلاح من اجل الإعلان عن رأيه أو إجبار الآخرين على القبول أو الانصياع إلى رأيه.الفائدة المتوخاة من حرية التعبير كان قد سطرها في نهاية القرن التاسع عشر الفيلسوف الإنكليزي جون سترت ميل حين قال:ان كبت حرية التعبير هو عمل شيطاني لأنه يسلب الإنسانية فوائد كبيرة: فإذا كان الرأي صحيحا وكبت فذلك سوف يحرم الإنسانية من فرصة استبدال الضلالة بالحقيقة أما إذا كان الرأي خاطئا فان كبته يؤدي إلى ضياع فائدة كبيرة وهي التصور الواضح والحيوي للحقيقة والذي يأتي نتيجة تصادمها مع الضلالة
باسم العلي
https://telegram.me/buratha