السيد حسين الصدر
الباخلون على أنفسهم بالفضائللاشك ان السلطة - في الكثير من الاحيان - مدعاةٌ الى الاتصاف بشيء من الاستعلاء والغرور ، والتكبر والتجبّر ، خصوصاً اذا كان صاحبها غاطساً في المياه الآسنه ، ومعروفاً بصفاته السوداء الداكنه ..!!وتسلّط الأوغاد على رقاب الناس نذيرُ مخاضاتٍ صعبة ، ومحن كبرى ، وممارسات تملأ النفوس هلعاً ورعباً ، وتشحن القلوب بالهموم الثقال ، وترهق البلاد بألوان من الظلم الاجتماعي والسياسي ، وشيوع ألوان من الطغيان والاستبداد ، ناهيك عن اختلال الموازنات والمعادلات في كل الحقول والمجاملات ان تجربة العراق المرّة ابّان الدكتاتورية البائده تحفل بالجرائم والمظالم البكر التي لم يسبق اليها طغاة العالم جميعاً قال الشاعر :بالنار يحكمُ والحديدْ جبّارُ بغداد العنيدْفاق الطغاةَ فلا يُقاسُ به قديمٌ أو جديدْفلم يكن لدى أجهزة النظام كلّها من همّ ، الا تركيع الشعب وأجباره على تقديس وتمجيد ( القائد الضروره ) ، الذي اختصر العراق بذاته ، وفجّر الحروب الظالمة بكل ما خلفته من كوارث وفجائع - واستهان بالكرامات والحريات حتى عاد الانسان العراقي أرخص السلع في أسواق الاستبداد والطغيان .وما المقابر الجماعيه الا المثال البارز على بربريته وهمجيته وتنكره لشرائع السماء والأرض .وهكذا عاش العراق حقبة مظلمة داميه حتى بزع فجر الخلاص من ذلك الكابوس في 9/4/2003 .لقد سقط الصنم الكبير ، دون ان تسقط النزعة الاستكباريه المشؤومة .....انّ الاستكبار والاستبداد هما أسوأ ما يمكن ان يتصف به الحكّام من صفات، حيث ان إلغاء الآخر لايعني الا الدمار والانهيار على كل المستويات والصعد واذا كانت سعة الصدر ، ورحابة الخلق ،ولين الجانب ، والمرونة في التعاطي ،صفات مطلوبه من كل أفراد المجتمع ، فانها مطلوبةٌ بدرجة أكبر من رجال السلطة ورموزها ان توفر هذه الصفات فيهم ،يتيح للجماهير عملياً فرص التفاعل الحقيقي مع الحكّام في مضامير البناء والتنميه وتصريف الأمور ،وكل ذلك يقود الى النهوض بمسؤولية خدمة البلاد على نحو سليم انّ الحواجز بين الحكّام والمواطنين لابُدَّ أن ترفع ،ولا نعني بها الحواجز الكونكريتيه وحدها وانّ أصحاب السلطة عليهم ان يستذكروا أنهم ليسوا بمعصومين من الخطأ، كما أنهم ليسوا في قمم الكمال انّ عليهم ان يفتحوا قلوبهم وآذانهم للناس ،وفي هذا الانفتاح خير كثير لهم وللوطن وللمواطنين ان هذه الحالة تجعل الصلة بين المواطنين والمسؤولين قائمة على أساس المحبة والتفاهم والتواصل ، وقد أمرنا قرآنيّا أنْ نُكَوِّنَ مجتمعَ (التواصل بالحق ) .وقد وقفتُ على لقطه جميلة وردتْ في ترجمة (المعتضد بالله أحمد بن طلحه) - الخليفة العباسي المعروف ت 289) وردتْ على لسان ابن حمدون النديمقال :( ان المعتضد كان قد شرط علينا أنّا اذا رأينا منه شيئاً تنكره نفوسنا نقوله له ،وإنْ أطلعنا له على عيبٍ واجهناه به ) اللطيف هنا ان المبادرة كانت من الحاكم نفسه، فهو الذي اشترط على المتصلين به، ان يواجهوه بالحقيقة ، وان يتحدثوا معه ،بما ينكرونه عليه من أعمال ،وبما يقفون عليه من ثغرات وعيوب وهذا الاشتراط من جانب الحاكم ، يعكس ثقته بشخصيته من جانب ،وحبّه للتكامل من جانب آخر ، وبعده عن الاستبداد والطغيان ،وكل هذه العناصر تسهم في اثراء رصيده الايجابي قال ابن حمدون النديم " فقلتُ له يوماً :يامولانا في قلبي شيء أردتُ سؤالك عنه منذ سنين "ان تأخير ابن حمدون النديم للسؤال عدة سنين ، أثار حفيظه (المعتضد)فبادره قائلاً :"ولم أخّرته الى الآن "؟قال ابن حمدون :( لأستصغاري قدري ولهيبة الخلافة )وهذا التعليل ، عليلٌ ، كما ترون ثم ان المعتضد ، بدّد عنه المخاوف وقال له :" قل ولا تخف " فقال :" اجتاز مولانا ذلك اليوم ببلاد فارس ، فتعرّض الغلمان للبطيخ الذي كان في تلك الأرض، فأمرتَ بضربهم وحبسهم ، وكان ذلك كافياً ، ثم أمرتَ بصلبهم وكان ذنبهم لا يجوز عليه الصلب فقال :أو تحسب أنّ المصلوبين كانوا أولئك الغلمان ؟وبأيّ وجه كنتُ ألقى الله تعالى يوم القيامة لو صلبتُهم جزاء البطيخ ؟وانما أمرتُ باخراج قومٍ من قُطّاع الطريق قد وَجَبَ عليهم القتل ، وأمرتُ ان يلبسوا أقبية الغلمان ،إقامه للهيبة في قلوب العسكر ، ليقولوا :اذا صَلَبَ أخص غلمانه على غصب البطيخ ،فكيف يكون على غيره وكذلك أمرتُ بتلثيمهم ليستتر أمرهم على الناس "ان هذه القصة تشعرنا بان المعتضد كان رجل دولة فقد عاقب غلمانه وحاسبهم أشد الحساب ،على ما قاموا به من اغتصاب ، ثم انه موّه على عسكره ،حين صلب قُطاع الطرق ،وأوهمهم أنهم غلمانه، ليكونوا في منتهى الحذر من ممارسة أية فعل شائن . وهو بهذا التوضيح جعل ابن حمدون النديم يفهم حقيقة الأمر الذي ساورته فيه الشكوك ان ذلك كله قد جرى بهدوء وكانت له نتائج ايجابيه طيّبه والسؤال الآن :كم من الحكّام والسلطويين اليوم مَنْ ينهج منهج المعتضد مَعَ المقربّين منه؟ومَنْ منهم يفتح باب الاسئلة ،ويجيب عنها بكل صراحة وصدق ؟أنهم لو كانوا يفعلون ذلك ،لأصابوا خيراً كثيراً ،ولكنهم في الغالب، يبخلون على أنفسهم بالفضائل، وتبقى المزايا محصورة بالقلائل....!!
https://telegram.me/buratha