سماحة السيد حسين الصدر
هناك مصطلحات وكلمات كثيراً ما تتردد على الألسنة ،دون أنْ تكون مداليها واضحة المعالم ، محددة المعاني على نحو محسوم .ومن هذه الكلمات ذات الرنين ( العمليه السياسيّة ) ، التي يهّدد البعض أحيانا بالانسحاب منها ..!!ويخيّل لبعض السذّج أنَّ العمليه السياسية هي مدارات السلطتين التشريعيه والتنفيذيه ليس الاّ .وعلى هذا فانّ الذين لم يُتح لهم الولوج الى تلك الرحاب ،هم خارج العمليه السياسية .وهذا ما لا يستقيم على الأطلاق مع الواقع السياسي والاجتماعي ان العمليه السياسية هي الفضاء الأرحب لكلّ الحراك السياسي في الساحة، سواءً كان ذلك الحراك من قبل اعضاء البرلمان أو الحكومة ،أو من قبل الأحزاب والمنظمات والشخصيات السياسيه ، والمعنيين بالشؤون السياسيه في البلاد ، من علماء وخبراء وكُتّاب ومُنظِرين و جماهير والفارق بين التحديدين كبير للغاية :ان اطار العملية السياسية بناء على التحديد الاول لا يتجاوز بضع مئات من رجال العراق ونسائه ، أما بناء على المنحى الثاني فهو شامل للملايين من العراقيين، ومنهم المحتجون على سوء أوضاعهم الحياتيه ، والمتظاهرون ،والمعتصمون من الأرامل والمطلقات والمحرومين من الرعايه الاجتماعية ....ومنهم ايضا العاملون بكل تفانٍ واخلاص لتحسين الأوضاع ودفع المفاسد والغوائل عن الوطن والمواطنين إنّ كل ما يصبّ في دفع عجلة العراق الى الأمام لا يخرج عن كونه داخلاً في هذه العملية .ان المواطنين جميعاً هم الشهود الحقيقيون على نجاح العملية السياسية أو فشلها ،وهم بهذا الوصف جزء لا يتجزأ منها ،وارتباطهم بها ارتباط عضوي لايقبل الانفكاك بحال من الأحوال .اننا نحرص على إشاعة هذه الثقافة ،المتمثلة بشدّ المواطن - مهما كان دينه أو مذهبه أو قوميته أو منطقته أو اتجاهه - الى أنه جزء لا يتجزأ من العمليه السياسية ، لأنه محورها في الصميم ،وعليه تدور رحاها ، وهو الذي يدفع الثمن في نهاية المطاف ، رخاءً او عناءً .ان من اكبر الاخطاء والأخطار جعل العمليه السياسية بيد حفنة من المحترفين ،يديرونها بعيداً عن هموم المواطنين ومشاركاتهم الحقيقيه في رسم خارطة الطريق للحاضر والمستقبل ان ضبابية التعامل السياسي مع المواطنين ، والمفهوم الغائم للعملية السياسيه ، أدّى الى انفصام نكد بين المواطنين وبين اللاعبين السياسيين ، حتى ليكمن القول بأنهم أصبحوا في بروج عاجيه ، بعيدة كل البعد عن الجماهير ..!!ان العراق الحبيب لا يُبنى بيد السياسيين وحدهم ، وانما يُبنى بيد أبنائه أجمعين وتهميش المواطنين واقصائهم عن الحضور المكثّف في الميدان السياسي ، له أسوأ المردودات على الوطن والمواطنين .انّ القرار السياسي المدعوم من قبل الجماهير العراقية ،هو قرار عابر للطائفيه ،ومستوفٍ لكل شرائط القوّه .أمّا القرار المصنوع على ضوء حسابات سياسيه ،حزبيه أو طائفيّه معيّنه ، فهو قرار خجول أو كسيح ..!!ان الخطبة الثانية من خطب صلوات الجمعة ، تُخصص عادة للحديث عن الهموم السياسية والاجتماعية فاذا كانت ( السياسة )، متعانقة مع (العبادة) فلماذا لا تتعانق مع هموم العباد ؟والسؤال الآن :الى متى تلوك الألسن أحاديث الاحتقانات والاختلافات السياسيه بين الكتل المتصارعه ، ويدفع الابرياء من المواطنين العراقيين ، حياتهم ثمناً لتلك الصراعات على يد الشقاة الأوغاد ، أعداء الله والعراق والانسانيه ،في مجازر مرّوعة تتعدد مناطقها وأماكنها ، ويبقى مضمونها الحاقد واحداً ، في دلالته العميقه على البربريه والهمجيه، والتنكر لكل القيم الدينية والانسانية والحضارية والقانونية والسياسية والاجتماعية ، والاصرار الرهيب على الاضرار بالعراق الحبيب ، أما آن ان تُغلّب مصلحة البلاد والعباد على مصالح السياسيين المتصارعين؟
https://telegram.me/buratha